مأخذه وسببه ، فبينما هم كذلك عمل شيئاً آخر عملاً بسرعة شديدة يصرفهم عن الأوّل إليه فيشغلون به على الوجه المذكور فيبقى العمل خفيّاً سببه ، وهكذا يظهر ثالثاً على الوجه المذكور وهكذا حتّى إذا فرغ عن جميع أعماله يرى الإنسان قد اجتمعت على نظره أشياء غربية مخفيّة الأسباب فيتخيّلها أنّ لها حقيقة ، وهذا هو المراد من قولهم : إنّ المشعبذ يأخذ بالعيون ، لأنّه بالحقيقة يأخذ العيون إلى غير الجهة الّتي تخال.
النوع الخامس : الأعمال العجيبة الّتي تظهر من تركيب الآلات المركّبة على النسب الهندسيّة تارةً وعلى ضرورة الخلاء اخرى ، مثل رقّاص يرقص وفارسان يقتتلان فيقتل أحدهما الآخر ، وكفارس على فرس في يده بوق كلّما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير أن يمسّه أحد ، ومنها الصور الّتي يصوّرها الروم وأهل الهند حتّى لا يفرّق الناظر بينها وبين الإنسان حتّى يصوّرونها ضاحكة وباكية وحتّى يفرّق فيها بين ضحك السرور وضحك الخجل وضحك الشامت ، وهذه الوجوه من لطيف امور التخائيل ، وكان سحر سحرة فرعون من هذه الضرب ، ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات ، وربّما قيل بأنّه يندرج فيه علم جرّ الأثقال وهو أن يجرّ ثقيلاً عظيماً بآلة خفيفة.
النوع السادس : الاستعانة بخواصّ الأدوية ، مثل أن يجعل في طعامه بعض الأدوية المبلّدة أو المزيلة للعقل أو الدخن المسكرة تجعل نحو دماغه فإذا تناول يبلّد أو يزول عقله أو قلّت فطنته ، وأثر المغناطيس شاهد بذلك.
النوع السابع : تعليق القلب وهو أن يدّعي الساحر قد علم الكيميا ، أو عرف الاسم الأعظم ، أو أنّ الجنّ يطيعونه وينقادون له في أكثر الامور ، وبذلك يجذب قلب السامع إلى نفسه ، وذلك لأنّ السامع قد يكون ضعيف العقل قليل التميّز فيعتقد أنّ دعواه حقّ ، وتعلّق قلبه بذلك في نفسه نوع من الرغب والخوف وحصل ضعف في قواه الحسّاسة ، وكلّما قويت مخافته ازدادت حواسّه ضعفاً ، وعند ذلك يتمكّن الساحر من أن يعمل فيه ما شاء ، ومن جرّب الامور وعرف أحوال أهل العالم يعلم أنّ لتعليق القلوب أثراً عظيماً في تنفيذ الأعمال وإخفاء الأسرار.
النوع الثامن : السعي بالنميمة والتضريب من وجوه خفيّة لطيفة ، وهذا شائع في الناس (١).
__________________
(١) البحار ٥٩ : ٢٧٨ ـ ٢٩٧.