خالقها قوّة عالية نافذة في هذا العالم ، وفوّض إليها تدبير هذا العالم فهي الخالقة لها المدبّرة فيها بتفويض منه تعالى ، فالساحر عند هؤلاء الأقوام من يعرف تلك القوى العالية الفعّالة بسائطها ومركّباتها ، ويعرف ما يليق بالعالم السفلى ، ويعرف معدّاتها ليعدّها وعوائقها ليرفعها بحسب الطاقة البشريّة ، فيكون متمكّناً من استحداث الخوارق للعادة.
النوع الثاني : سحر أصحاب الأوهام والنفوس القويّة وهي النفوس الناطقة ، فإذا صارت صافية عن الكدورات البدنيّة صارت قابلة للأنوار الفائضة من الأرواح السماويّة والنفوس الفلكيّة ، فتتقوّى هذه النفوس بأنوار تلك الأرواح فتقوّي على امور غريبة خارقة للعادة.
النوع الثالث : الاستعانة بالأرواح الأرضيّة الّتي هي الأجنّة ، والقول بالجنّ وإن كان أنكره بعض متأخّري الفلاسفة والمعتزلة إلّا أنّ أكابرهم أثبتوه وسمّوها بالأرواح الأرضيّة ، قالوا : وهي في أنفسها مختلفة منها خيّرة ومنها شريرة ، فالخيّرة منهم مؤمنو الجنّ ، والشريرة هم كفّار الجنّ وشياطينهم ، ويجوز الاتّصال بهذه الأرواح الأرضيّة بواسطة أعمال سهلة قليلة من قراءة الرقي والدخون والبخورات والتجريد ، فيستعان بها في علاج المصاب وكشف الغائبات والأخبار بالمغيبات وهو السحر.
النوع الرابع : التخيّلات والأخذ بالعيون ، والأصل في ذلك أنّ القوّة الباصرة كثيراً ما تبصر الشيء على خلاف ما هو عليه ، وبذلك كثرت أغلاطها ، ومن ذلك السفينة إذا نظر إلى الشطّ رأى السفينة واقفة والشطّ متحرّكاً ، وهذا يدلّ على أنّ الساكن يرى متحرّكاً والمتحرّك يرى ساكناً. والقطرة نازلة ترى خطّاً مستقيماً ، والزبالة الّتي تدار بسرعة ترى دائرة إلى غير ذلك.
وأنّها إنّما تقف على المحسوس وقوفاً تامّاً إذا أدركته في زمان معتدّ به ، فأمّا إذا أدركته في زمان صغير جدّاً ثمّ أدركت بعده محسوساً آخر كذلك وهكذا ، فإنّه يختلط البعض بالبعض ولا يتميّز بعض المحسوسات عن بعض ، وأنّ النفس إذا كانت بشيء فربّما حضر عند الحسّ شيء آخر فلا يشعر به الحسّ البتّة.
ومن هذه المقدّمات يعلم السرّ في أنّ المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به ويأخذون عيونهم إليه متعجّبين منه متحيّرين فيه متفكّرين في