وأمّا الثاني : فلأنّه يتعلّم السحر ويعرف أسبابه الخفيّة فيلزم المتنبّئ الآتي بالسحر لإثبات دعواه الكاذبة على كذبه بواسطة إلزامه بأنّ ما أتى به من خارق العادة من السحر ، ببيان أنّ سببه الخفيّ كذا وكذا.
فهؤلاء حينئذٍ متّفقون مع المانعين في تحريم أصل عمل السحر حتّى في مقام التوقّي ودفع المتنبّئ.
ولكنّا نتكلّم معهم في منع جواز تعلّمه أيضاً على كلّ تقدير أي سواء استلزم عمله في المقامين أولا؟.
أمّا في مقام التوقّي فنقول : إنّ التوقّي إمّا أن يراد به تحفّظ نفسه من الوقوع في عمل السحر فيما اشتبه بينه وبين غيره ، أو تحفّظ نفسه من سحر غيره على وجه الرفع وهو أن يرفع ضرر سحر الغير الواقع عليه بطريق السحر الّذي تعلّمه ، أو على وجه الدفع وهو أن يستعمل في حقّ نفسه سحراً لا يؤثّر معه ما يتوقّع وقوعه عليه من سحر الغير في المستقبل ، سواء قطع بوقوعه عليه فيما بعد أو ظنّه أو احتمله ، وأيّاً ما كان فالأقوى فيه المنع وعدم الجواز.
أمّا الأوّل : فلأنّ الاشتباه المفروض فيما اشتبه بين السحر وغيره إن لم تكن مجامعاً للعلم الإجمالي في محلّ الابتلاء بأن يتّفق أنّه بعمل احتمل كونه سحراً على وجه الشبهة الموضوعيّة التحريميّة ، وحينئذٍ فإذا تعلّم السحر وميّز بينه وبين غيره لا يقع في نحو ذلك في عمل السحر المحرّم عليه في الواقع ، فنقول في منع جواز التعلّم في نحو هذه الصورة أنّ الشارع قرّر له في نظائرها طريقين :
أحدهما : ما يتوصّل به إلى الفعل والارتكاب وهو أصالة البراءة. والآخر : ما يتوصّل به إلى الترك والاجتناب وهو طريقة الاحتياط ، بضابطة أنّ الاحتياط حسن على كلّ حال ، فإنّ أقلّ مراتبه الرجحان ، فمن اشتبه عليه الأمر في الموضوع الخارجي له أن يختار الفعل تعويلاً على الأصل وأن يختار الترك عملاً بالاحتياط فأيّ شيء يبقى له من الاصول أو القواعد أو الأدلّة يسوّغ له تعلّم السحر الّذي دلّ الدليل على تحريمه لفائدة التوقّي وإن كان مجامعاً للعلم الإجمالي في محلّ الابتلاء بأن يكون هناك أعمال متعدّدة يعلم أنّ بعضها ما هو سحر في الواقع وبعضها ما ليس بسحر في الواقع ، واشتبها