والمحقّق الثاني ، حيث إنّ الأوّل في ذكر مستند الحكم قال : «وكأنّ دليله الإجماع» (١) والثاني بعد نسبته إلى المشهور قال : «وعليه الفتوى» (٢) لشيوع ورود هذا اللفظ في كلامهم لبيان فتوى الأصحاب ، والثالث بعد ما نقل التفصيل الآتي عن فخر المحقّقين في الإيضاح (٣) أورد عليه «بأنّه مخالف لنصّ الأصحاب» (٤).
لكن يشكل ذلك بظهور الأوّل في الشكّ فغايته أنّه ذكر لاحتمال الإجماع ، ومنافاة الثاني لو كان إجماعاً لسبق دعوى الشهرة الظاهرة في وجود القول بالخلاف فليحمل على إرادة فتواه لا فتوى الأصحاب ، وهذا أيضاً شائع وإن كان يمكن الجمع على تقدير إرادة فتوى الأصحاب بتأويل دعوى الشهرة بكون مراده من المشهور ما يقابل قول السيّد المرتضى الخارج عن موضوع المسألة ، كما يقتضيه ما حكاه عنه الشهيد في الدروس حيث إنّه بعد ما ذكر في مثال ما يجب على الإنسان كفايةً الّذي يحرم التكسّب به تغسيل الميّت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، قال : «وفي فتاوي السيّد أن ذلك واجب على الوليّ فلو استأجر غيره جاز» (٥).
والظاهر أنّ كون القول بالمنع مشهوراً بالمعنى المقابل لقول السيّد ، هذا لا ينافي كونه إجماعاً أيضاً. ولكن عليه حينئذٍ بعض ما يرد على الثالث فقد اورد عليه :
أوّلاً : أنّ فخر المحقّقين أسبق من المحقّق الثاني فهو أعرف بمذهب الأصحاب ، فلو كان إطلاق المنع إجماعاً عندهم كيف يختار لنفسه التفصيل المخالف له.
وثانياً : كيف يدّعي نصّ الأصحاب على معنى إجماعهم ، مع أنّ جلّ قدمائهم لم يتعرّضوا لأصل المسألة كالصدوقين والقديمين وسلّار وابن البرّاج وغيرهما من أتباع الشيخ عدا ابن إدريس ، فلا يعلم مذهبهم في المسألة بنفي ولا بإثبات.
وثالثاً : أنّ جماعة من معتبري المتأخّرين ذهبوا إلى خلاف إطلاق المنع كالفخر في تفصيله المتقدّم إليه الإشارة ، وهذا على ما حكي عبارته «الحقّ عندي أنّ كلّ واجب على شخص معيّن لا يجوز للمكلّف أخذ الاجرة عليه ، والّذي وجب كفاية فإن كان ممّا
__________________
(١) مجمع الفائدة ٨ : ٨٩.
(٢) المسالك ٣ : ١٣٠.
(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٦٤.
(٤) جامع المقاصد ٧ : ١٨٢.
(٥) الدروس ٣ : ١٧٢.