كما ترى يصدق عليه الرشوة عرفاً ولغة ، ويندرج في تراجم أهل اللغة وتفاسير الفقهاء فيتناولها أدلّة التحريم.
وقضيّة حرمة أخذه على الحاكم فساد العقود والصيغ المفروضة ، وعدم تأثيره في النقل والانتقال ولا براءة ذمّة المعطي ولا تملّك الآخذ وملكه ، والسرّ فيه أنّ جهة الرشائيّة صفة مبغوضة في نظر الشارع إذا طرأت المال كانت مانعة عن صحّة العقود أو الصيغ الجارية عليه ، أو أنّ النكتة فيه فساد القصد والنيّة بحسب الواقع واعتبار إحدى العناوين المذكورة ، والتسمية باسمه لباس ظاهري لا ينوط به الصحّة والتأثير ، حتّى أنّ النيّة في أداء الوجوه الواجبة أو المندوبة المنوط صحّته بالإخلاص وقصد القربة مشوبة غير خالصة ، لأنّ أصل الداعي إليه في نفس الأمر هو التوصّل إلى استخراج الحكم حقّاً أو باطلاً.
وربّما يشكل الحال فيما لو كان للحاكم دين على أحد المترافعين ، أو عين مغصوبة في يده وكان منكراً أو ممتنعاً من أداء الدين ، أو ردّ العين غصباً وهو من أهل الاستيلاء ، ففي هذا المقام الّذي هو موضع حاجته يردّ الدين أو العين لغرض أن يحكم له ، فهل هو رشوة؟ فيحرم كلّ من الإعطاء والأخذ ، أوْ لا فلا يحرم شيء منهما ، أو يفصّل بين الدين فيحرم والعين فلا يحرم. ووجه الفرق أنّ الردّ في الأوّل إيجاد للمقتضي فلا يؤثّر في تعيّن المال للحاكم لطروّ جهة الرشائيّة ، والثاني رفع للمانع وهو يده الغاصبة عن العين المملوكة للحاكم فيجوز له أخذها والتصرّف فيها للأصل و «عموم الناس مسلّطون على أموالهم». وهذا جيّد.
ولكنّ الأجود هو أوسط الوجوه ، لتطرّق المنع من صدق الرشوة على مثل ذلك عرفاً ولغة ، لظهور تراجم أهل اللغة وتفاسير الفقهاء في كون المال المبذول من مال باذله الّذي أعطاه الحاكم لمجرّد أن يحكم له ، وهذا دَيناً وعيناً مال الحاكم فلا يشمله أدلّة التحريم.
ثمّ الظاهر بل المقطوع به اختصاص الرشوة موضوعاً وحكماً بالأموال ، وعدم جريانهما في الأعمال كأن يخدمه أو يعمل له عملاً ليحكم له ، ولا الأقوال بأن يمدحه ويمجّده ويبجّله ويثني عليه في الحضور والغياب ويفرط في تعظيمه لإلقاء حبّه ومودّته في قلبه ليدعوه إلى الحكم له ، لصحّة سلب الاسم فلا يشملهما أدلّة التحريم.