وهل تختصّ في الأموال بالأعيان أو تعمّ المنافع أيضاً؟ بأن يوجره داره أو غيرها من أملاكه بأقلّ من ثمن المثل ، أو أباح له منافع عقار من عقاراته مدّة ليحكم له ، الظاهر هو الثاني لصدق الاسم عرفاً ولغة.
ثمّ المال المبذول للحكم قد يكون مبذولاً ليحكم له في خصومة وقعت في الحال ، وقد يكون مبذولاً له في خصومة يقصدها في الاستقبال ، وقد يكون مبذولاً لأجله في خصومة على تقدير وقوعها في المال ، وفي اختصاص الرشوة بالأوّل أوْ عمومها لغيره قولان ، أحدهما التعميم الّذي صرّح به الفاضل النراقي في المستند (١) ونقل القول به أيضاً إلى كتب غير واحد من الأصحاب ، وأنكره السيّد في الرياض (٢) فخصّها بالأوّل. والأصحّ هو الأوّل ، لصدق الرشوة عرفاً على الجميع ، وتناول نصّ أهل اللغة والفقهاء للجميع ، مع عموم الروايات لكون الجميع رشوة في الحكم ورشاء في الأحكام. وربّما استدلّ عليه بما دلّ من الأخبار على أنّ هدايا العمّال غلول ، وفي بعضها أنّها سحت. وليس ببعيد على تقدير سلامة الإسناد.
ثمّ قد عرفت ممّا سبق أنّ من جملة وجوه الرشوة إعطاء وأخذ الهديّة ، وهي مال يرسله إنسان إلى آخر لأغراض ، وهذا الغرض فيما كان المرسول إليه هو الحاكم قد يكون نفس الحكم ، وقد يكون إيراث المحبّة والمودّة الباعثة له على الحكم ، والظاهر أنّ كليهما من الرشوة المحرّمة لصدق الاسم عرفاً ولغة وعموم أدلّة الحرمة. ويستفاد من عبارات جماعة اختصاص الهديّة بما كان لإيراث المحبّة المحرّكة إلى الحكم ، وليس بشيء لكثرة ما يقصد التحريك إلى الحكم من نفس الهديّة. وقد يستدلّ على الحرمة في ما يقصد به إيراث المحبّة المحرّكة إلى الحكم أو مطلق الهديّة على تقدير عدم صدق الاسم بما ورد من «أنّ هدايا العمّال سحت» (٣) أو «أنّها غلول» (٤) مضافاً إلى ما تقدّم في رواية الأصبغ بن نباتة من قوله عليهالسلام «وإن أخذ هديّة كان غلولاً» (٥) وإلى تنقيح المناط.
__________________
(١) المستند ١٤ : ١٨١.
(٢) الرياض ٨ : ١٨٢.
(٣) الوسائل ٢٧ : ٢٣٧ / ٦ ، ب ٨ أبواب آداب القاضي.
(٤) مسند أحمد ٥ : ٤٢٤.
(٥) تقدّم في الصفحة : ٣٩٤.