لأنّ الجيش لمّا خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف أشجارها فسمّوها سواداً لذلك» (١) انتهى.
وظاهر الأخبار المتقدّمة كما ترى تملّك المسلمين لجميع أرض العراق المسمّى بأرض السواد من غير تقييد بالعامر قيل : وينزّل ذلك على أنّ كلّها كانت عامرة حال الفتح ، ويؤيّده أنّهم ضبطوا أرض الخراج كما في المنتهى (٢) وغيره (٣) بعد المساحة بستّة أو اثنين وثلاثين ألف ألف جريب.
أقول : ويؤيّده أيضاً ما قيل من أنّ هذه الأرض لمّا فتحت أرسل إليها عمر بن الخطّاب ثلاثة أنفس ، عمّار بن ياسر على صلاتهم أميراً ، وابن مسعود قاضياً ووالياً على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، وفرض لهم كلّ يوم شاة شطرها مع السواقط لعمّار وشطرها للآخرين ، وقال ما أرى قرية يؤخذ منها كلّ يوم شاة إلّا سريع خرابها ، ومسح عثمان بن حنيف أرض الخراج فقيل : اثنان وثلاثون ألف ألف جريب ، وقيل : ستّة وثلاثون ألف ألف جريب ، ثمّ ضرب على كلّ جريب نخل عشرة دراهم ، وعلى الكرم ثمانية دراهم ، وعلى جريب الشجر والرطبة ستّة دراهم ، وعلى الحنطة أربعة دراهم ، وعلى الشعير درهمين ، ثمّ كتب بذلك إلى عمر فأمضاه.
وروي أنّ ارتفاعها كان في عهد عمر مائة وستّين ألف ألف درهم ... إلى آخر ما ذكر. نعم ما تقدّم من التقييد بشرقي دجلة كون الغربي منه مواتاً حال الفتح بل هو المصرّح به في كلام البعض الّذي هو العلّامة في كتبه ظاهراً لما حكي عنه من قوله : «من شرقي دجلة فأمّا الغربي الّذي يليه البصرة فإنّما هو إسلامي مثل شطّ عثمان بن أبي العاص وما والاها كانت مواتاً فأحياها عثمان».
وأمّا توهّم الموت في غير ما ذكر من البلاد المحدث بالعراق مثل البغداد والكوفة والحلّة والمشاهد المشرّفة تعليلاً بكونها إسلاميّة بناها المسلمون ولم تفتح عنوة ولم يثبت أنّ أرضها يملكها المسلمون بالاستغنام والّتي فتحت عنوة واخذت من الكفّار قهراً قد انهدمت ، فيدفعه ما قيل من أنّ المفتوحة عنوة لا تختصّ بالأبنية حتّى يقال إنّها
__________________
(١) مفتاح الكرامة ١٣ : ٧٣ ـ ٧٤.
(٢) المنتهى ٢ : ٩٣٧.
(٣) المبسوط ٢ : ٣٤.