أمّا الأوّل فلوضوح عدم اختصاص النهي عن البيع وقت النداء بالبائع فقط بل يعمّه والمشتري أيضاً ، فوجب أن يكون المراد بالبيع هنا المعاملة المذكورة المنحلّة إلى فعليهما فينحلّ النهي عنه أيضاً إلى نهي كلّ منهما عن فعله.
وأمّا الثاني فلوضوح أنّ مدح عدم الإلهاء عن ذكر الله حال التشاغل بالبيع أو الاشتراء لا يختصّ بالبائع بل يعمّ المشتري أيضاً ، حيث كان اشتراؤه لا يلهيه عن ذكر الله ، وذكر البيع عقيب التجارة من باب ذكر الخاصّ بعد العامّ من حيث إنّ التجارة اريد بها المعاملة الاكتسابيّة ، سواء كانت على وجه البيع والشراء أو على وجوه اخر. ولا يذهب عليك أنّ الإطلاق المذكور في الآيتين إنّما هو لضرب من المجاز من باب الاستعمال في القدر المشترك بين فعل البائع وفعل المشتري ، والظاهر كونه من باب الاستعمال في عموم المجاز بناءً على كون البيع حيثما استعمل في فعل المشتري مجازاً ، وظاهر عبارة القاموس كونه من باب الاستعمال في عموم الاشتراك لظهور كلامه في كون البيع من الألفاظ المشتركة بين الضدّين ، لأنّه قال : «باعه يبيعه بيعاً ومبيعاً والقياس مباعاً إذا باعه ، وإذا اشتراه ضدّ وهو مبيع ومبيوع» (١) إلى آخر ما ذكره.
وثانيها : فعل البائع من حيث تعقّبه بفعل المشتري الّذي يراد ذلك من لفظ «بعت» خبراً وإنشاءً ، وإنّما اعتبرنا الحيثيّة لأنّ فعل البائع إن كان نقل ملك العين فلا يصدق بدون الانتقال إلى المشتري المنوط بقبوله لنقل البائع ، وإن كان تمليك العين فلا يصدق بدون تملّك المشتري المنوط بقبوله التمليك ، كالكسر لا يصدق بدون الانكسار ، والإحراق لا يصدق بدون الاحتراق ، والإيجاد لا يصدق بدون الوجود ، وهكذا الإيجاب والوجوب بل كلّ تأثير وأثره المترتّب عليه ، وهذا المعنى هو المعنى العرفي العامّ الكاشف عن اللغة ولا يختصّ بعرف الفقهاء ولا عرف المتشرّعة ولا عرف زمان الشارع بل يعمّ غير المتديّنين بشرع الإسلام وأهل زمان الجاهليّة بل الامم السالفة ، فهو من المعنى القديم الّذي أمضاه الشارع غاية الأمر أنّه أضاف إليه في هذا الشرع شروطاً وزوائد اخر ، وهو الّذي ورد على طبقه قوله تعالى : «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» (٢) وأخذ عنواناً في
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) البقرة : ٢٧٥.