وقد يزاد أنّ هذا أقوى وأسدّ لكون ناقله أثبت وأبصر وأخبر ، مع أنّ إجماعات الغنية في نفسها مستراب فيها لعدم اعتدادهم بها ويتوهّن منقوله ، هذا بالخصوص بمخالفته لما تقدّم من أدلّة القول المختار وبالإجماع العملي من المسلمين كافّة على إجراء المعاطاة مجرى البيع اسماً وحكماً ، حتّى أنّهم يستنكرون نفي البيع عنها.
وقد يؤوّل جمعاً بينه وبين أدلّة كونها بيعاً ، فيقال : بأنّ دعوى الإجماع في كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعاً كابن زهرة في الغنية فمرادهم بالبيع المعاملة اللازمة الّتي هي إحدى العقود ، ولذا صرّح في الغنية «بكون الإيجاب والقبول من شرائط صحّة البيع» (١).
والجواب عن الثاني : بمنع دخول اللزوم في مسمّى البيع بل هو كالجواز المقابل له من أحكام العقد ، والأصل الثابت من عموم آية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٢) وغيره في كلّ عقد هو اللزوم إلّا ما خرج بدليل قضى بالجواز ، ومنه المعاطاة على ما ستعرفه.
والجواب عن الثالث : منع الاستقراء المذكور بناءً على جريان المعاطاة في سائر العقود ، مع أنّ قاعدة الإلحاق بعد ما تقدّم من الأدلّة ممّا لا حكم لها.
وأمّا التأييد ففيه ـ مع أنّه لو تمّ لقضى باعتبار مطلق اللفظ لا الألفاظ المخصوصة كبعت وشريت وابتعت واشتريت ـ منع انحصار صراحة الدلالة في الألفاظ ، فإنّ الفعل أيضاً بمعونة قرائن الأحوال أيضاً يصير صريح الدلالة على المقصود كما في المعاطاة المبحوث عنها ، إذ الكلام فيما علم كون قصد المتعاطيين ملك العوضين ولو إجمالاً ، وعلامته أنّ كلاًّ منهما بعد الإعطاء والأخذ يخصّص ما وصل إليه بنفسه يقول إنّ هذا لي أو أنّه مالي حتّى أنّه يحلف عليه ويعارض من أنكر كونه له ، فلا فرق في تحقّق البيع وصدق الاسم بين كون الدالّ على قصد الملك هو الفعل أو القول أو الملفّق منهما ، كما لا فرق في القول الدالّ عليه بين الألفاظ المخصوصة أو مطلق اللفظ.
وبالتأمّل في ذلك يظهر أنّ المعاملة البيعيّة لها صور كثيرة ترتقي إلى خمس وعشرين صورة ، وذلك لأنّها إمّا فعليّة أو قوليّة بالصيغة المخصوصة أو بغيرها من اللفظ
__________________
(١) الغنية : ٢١٤.
(٢) المائدة : ١.