وأمّا ضعف الوجه الرابع : وهو الشهرة ، فلأنّ محقّقها غير ثابت ، ومحكيّها غير مفيد ، لأنّه لا ينهض لتخصيص العمومات وتقييد المطلقات ، على أنّه لو سلّمنا كونها محقّقة فهي أيضاً لا تجدي نفعاً لأنّها ليست حجّة لذاتها بل حيث كشفت كشفاً ظنّياً اطمئنانيّاً عن وجود دليل معتبر للمشهور لو عثرنا عليه لعملنا به ، وهي فيما نحن فيه ليست بتلك المكانة خصوصاً مع ملاحظة كثرة المخالف وكون جمع منهم من أساطين الطائفة ووجوههم ، وقضاء التتبّع بأن ليس لهم إلّا الوجوه المذكورة الّتي عمدتها الأصل وقد تبيّن ضعف الجميع. ومن هنا قد يجاب عن الشهرة أيضاً بأنّها إنّما تصير حجّة حيث لم يعلم بفساد مدركها ، وقد علمنا فساده هنا ، إذ لا مدرك لها إلّا الأصل الّذي قد ظهر حاله.
وأمّا ضعف الخامس : وهو الإجماعات المنقولة فلأنّها مستراب فيها ، بأنّ المسألة المبحوث عنها كيف تصير إجماعيّة مع مخالفة جماعة من متأخّري المتأخّرين وجماعة ممّن تقدّمهم مع كون جمع منهم من أساطين الطائفة ووجوههم. ومن هنا أنكر كلّاً من الإجماع والشهرة بعض مشايخنا قدسسرهم حيث إنّه بعد ما نقل في خصوص البيع عن الأصحاب من كلماتهم القاضية بوقوعه بألفاظ هي بالنسبة إليه إمّا من المجازات أو من الكنايات كالسلم والتولية والتشريك في المبيع والتقبيل في ثمرة النخيل وفي سائر العقود اللازمة من كلماتهم القاضية بوقوعها بكلّ لفظ أو بألفاظ مخصوصة هي بالنسبة إليها أيضاً إمّا من قبيل المجاز أو من قبيل الكناية قال : «ومع هذه الكلمات كيف يسند إلى العلماء أو أكثرهم وجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له وأنّه لا يجوز بالألفاظ المجازيّة» (١) انتهى.
ومع الغضّ عن ذلك نقول : إنّ حجّيّة الإجماع المنقول عندنا إنّما هو من حيث إفادته الظنّ الاطمئناني وهو هنا لا يفيد لنا ظنّاً فضلاً عن بلوغه حدّ الاطمئنان.
وبعد اللتيّا والّتي لو سلّمنا الإجماع فيحتمل قويّاً كونه إجماعاً على اشتراط لزوم العقود اللازمة بالصراحة.
ويقرّبه ما في كلام مفتاح الكرامة الّذي من ناقلي الإجماع ناقلاً عن الأصحاب من
__________________
(١) المكاسب ٣ : ١٢٥.