الضمان بثمن المثل أو اجرة المثل أو مهر المثل في جملة من العقود الفاسدة ، فالمال الّذي قبضه المشتري أو البائع في العقد الفاسد لكونه من مال المسلم المفروض احترامه يجب عليه ردّه إلى مالكه مع بقاء عينه ، أو ردّ مثله أو قيمته في صورة التلف.
أقول : ويمكن الخدشة فيه بأنّ احترام مال المسلم كدمه وإن كان مسلّماً ، ولكن في نهوضه دليلاً على الضمان بالمثل أو القيمة في صورة التلف نظر ، لأنّ احترام الشيء عبارة عن عدم جواز انتهاكه فالمحترم هو ما لا يجوز انتهاكه ، والانتهاك هو تناول الشيء والتعرّض له بما لا يحلّ ، وحاصله تناول الشيء بغير وجه شرعي مجوّز له ، فحاصل معنى كون المال المعقود بالعقد الفاسد أنّه لا يجوز أخذه ولا التصرّف فيه بعد الأخذ ولا إمساكه وعدم ردّه إلى مالكه لأنّ كلّ ذلك انتهاك وتناول له بما لا يحلّ ومن غير وجه شرعي ، وقصارى ما فيه وجوب ردّه ما دامت عينه باقية ، ولا يقتضي ذلك وجوب ردّ مثله أو قيمته على تقدير التلف ، لأنّ الاحترام بالمعنى المذكور ليس بعين الضمان بالمثل والقيمة ولا من لوازمه ، وكونه ملزوماً له يتوقّف على ثبوت الملازمة بينهما بدليل آخر ولا يفي بإثباتها أدلّة الاحترام.
وبالجملة غاية ما ينساق من أدلّة الاحترام إنّما هو حكم تكليفي معلّق على بقاء عين المال ، وكلامنا في الضمان الّذي هو حكم وضعي معلّق على تلف العين ، وأحدهما ليس بعين الآخر ، وثبوت الملازمة بينهما يحتاج إلى دليل آخر غير أدلّة الملزوم ، وإن شئت زيادة توضيح لذلك فنظّره على حرمة أكل المال بالباطل المستفادة من آية «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» (١) فإنّها غير الضمان بالمثل أو القيمة بعد التلف ، فلا يمكن إثبات الضمان بنفس هذه الآية ، ولذا لم يتمسّك أحد منهم في شيء من موارد الضمان لإثباته بهذه الآية. ومن هذا الباب أيضاً احترام دم المسلم فإنّ أقصى ما يقتضيه ذلك هو عدم جواز انتهاكه والتعرّض له بإراقته من دون مسوّغ شرعي ، وأمّا وجوب القصاص أو الدية بعد ما اهريق فهو حكم آخر يتوقّف ثبوته على دليل آخر ، ولا يفي بإثباته نفس أدلّة الاحترام.
__________________
(١) النساء : ٢٩.