الفاء للتعقيب بلا مهلة ، ومعناه أنّه إن آنستم منهم في وقت بلوغهم النكاح رشداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ، أو ابتدائيّة للدلالة على كون ما بعدها كلاماً مستأنفاً مع كون إذا في محلّ النصب بشرطها أو جوابها كما عن الجمهور ، واختاره ابن هشام في هذه الكلمة إذا دخلت على إذا ويكون تقدير الآية حينئذٍ « ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ في ذلك الوقت رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ » بتقريب ما عرفت من كون الفاء للتعقيب بلا مهلة ، ويكون قوله : «فَادْفَعُوا» جواباً بالشرطين ، نظير ما لو قيل : إذا جاءك زيد فإن سلّم عليك فأكرمه ، فالآية على التقديرين تدلّ على وجوب دفع أموال اليتامى إليهم بشرطين «البلوغ والرشد» كما فهمه وصرّح به الطبرسي في مجمع البيان (١) فلا دلالة فيها على مطلوب المستدلّ.
وأمّا ما قد يقال في توجيه الاستدلال بها : من أنّه تعالى أمر باختبار اليتامى وامتحانهم لاستعلام رشدهم وهو إنّما يحصل بالبيع والشراء ، فأمره تعالى باختبارهم بالبيع والشراء يقتضي صحّة ما صدر منهم من الأمر ، إذ لا معنى للأمر باختبارهم بذلك مع عدم وقوعه صحيحاً. وهذا أضعف من سابقه ، لعدم انحصار طريق الاختبار في ذلك ، بل له طرق كثيرة يعرفها أهل الاختبار.
ومنها : الرواية المرسلة المتقدّمة عن الشيخ في المبسوط.
وفيه : أنّها ضعيفة بالإرسال ، وإعراض الأصحاب أو المعظم عنها ، وبأنّ الراوي لها ـ وهو الشيخ أيضاً ـ لم يعمل بها كما عرفت.
ومنها : السيرة المستمرّة المستقرّة على أنّ الصبيان يتعاملون في الأسواق ويبيعون ويشترون فتدلّ على صحّة جميع ذلك منهم.
وفيه : أنّ السيرة إن اريد بها سيرة الصبيان بأنفسهم فهي ليست بشيء ، وإن اريد بها سيرة البالغين المكلّفين بدعوى استقرارها على المعاملة مع الأطفال ببيع أو شراء ، ففيه : أنّ السيرة في محلّ ثبوتها إجماع عملي ولا إجماع هنا ، إذ المتعاملون مع الأطفال ليسوا إلّا جمعاً من العوامّ المتسامحين في دينهم غير مبالين من المعاملات الفاسدة
__________________
(١) مجمع البيان ٣ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.