الأوّل يعتبر فيه البلوغ إلى حدّ الإلجاء والاضطرار بخلاف الثاني ، فلو اكره على أحد الأمرين من «شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير» فارتكب إحدى الخصوصيّتين كان من الإكراه الرافع لحرمته ، من جهة الاضطرار إليه باعتبار الاضطرار إلى القدر المشترك ، فإنّ القدر المشترك بين المحرّمين محرّم ولا مندوحة عنه من جهة الفرار عن الضرر المتوعّد به ، فاختيار أحد الخصوصيّتين لا يرفع أثر الإكراه ، بخلاف ما لو قال : «اشرب الخمر أو اشرب الماء وإلّا قتلتك» فاختار شرب الخمر فإنّه حينئذٍ فعل محرّماً فكان آثماً وإن كان مكرهاً على القدر المشترك بينهما ، فإنّ القدر المشترك بين المحرّم والمباح ليس بمحرّم فلم يضطرّ إلى فعل المحرّم ، لأنّ له مندوحة عنه وهو أن يختار للفرار عن الضرر المتوعّد به فعل المباح.
ونحوه ما لو قال : «بع دارك أو اشرب الخمر» فاختار شرب الخمر فإنّه لم يضطرّ إليه وإن كان مكرهاً عليه لمكان المندوحة باختيار البيع فيكون آثماً ، فهذا ممّا لم يتحقّق فيه الإكراه الرافع للحكم التكليفي ، وأمّا لو اختار البيع فهو من الإكراه الرافع للحكم الوضعي لأنّه إن اختار بدله يترتّب عليه الضرر الاخروي وهو العقاب ، وإن اختار ترك البدلين معاً يترتّب عليه الضرر الدنيوي وهو الضرر المتوعّد به فلا محيص له عن البيع دفعاً للضررين فيكون مكرهاً عليه عرفاً ولغة ، لأنّ الحامل له الفرار من بدله ووعيد المكره المضرّين معاً.
ومن هذا الباب ما لو اكره على البيع أو إعطاء مال غير مستحقّ عليه بأن يقول : «بع دارك أو أعطني مائة درهم وإلّا قتلتك» فاختار البيع فإنّه إنّما فعله فراراً عن الضرّ المتوعّد به وأخذ المال الّذي هو أيضاً ضرر غاية الأمر هنا كون الضررين دنيويّين ، بخلاف ما لو اكره على البيع أو إعطاء مال مستحقّ عليه كأداء دَين أو إنفاق زوجة وما أشبه ذلك ، كأن يقول : «بع دارك أو أدّ دَينك أو أنفق على زوجتك وإلّا قتلتك» فاختار البيع فإنّه حينئذٍ ليس بمكره عليه ، لأنّه ليس للفرار عن الضررين ضرر البدل وضرر الوعيد ، فإنّ البدل وهو أداء الدين أو إنفاق الزوجة طريق تخلّص عن الضرر المتوعّد ، به فإذا اختار البيع كان مختاراً فيه.
وفيه نظر : لأنّ أداء الدين أو إنفاق الزوجة بدل لا أنّه مسقط ، فاختيار كلّ منهما