نعم هاهنا كلام آخر وهو دعوى اعتبار المقارنة في مفهوم العقد ، ويلزمه أن لا يكون عقد الفضولي عقداً على الحقيقة ، ولا أظنّ أحداً يرضى بذلك ، ويردّه مضافاً إلى ذلك منع اعتبارها في مفهومه ، فإنّ العقد مفهومه الربط المعنوي الّذي يوجده المتعاقدان فيما بينهما ، ويكفي فيه التلفّظ بالصيغة مع القصد إليه وإلى المعنى المادّي والإنشاء والرضا بوقوع الأثر وأن حصل ذلك الأخير متأخّراً عن التلفّظ.
لا يقال : إنّ الربط لا يتحقّق إلّا بعد حصول الارتباط وهو لا يحصل إلّا بوقوع الأثر في الخارج ، والمفروض أنّ وقوعه في الخارج إنّما هو حين لحوق الرضا فيكون الربط المستتبع للارتباط المتوقّف على وقوع الأثر متحقّقاً حين الرضا ، وقضيّة ذلك أن يكون العقد هو الرضا لا غير ، وهذا باطل بضرورة من العرف واللغة ، لأنّ تحقّقه من ذلك الحين مسلّم ، ولكن لا لأنّ الرضا نفس العقد بل لأنّه جزء أخير من العلّة التامّة المركّبة من التلفّظ والقصود المذكورة ، وبدون البعض لا ربط وإن حصل الرضا وطيب النفس بوقوع الأثر في الخارج.
ومستند القول بمنع نفوذ عقد المكره بلحوق الرضا على ما يوجد في كلماتهم نقلاً وتحصيلاً امور :
منها : النقض بما يصدر من الهاذل ، مع أنّهم لم يقولوا بصحّته بعد لحوق الرضا.
ومنها : قوله تعالى : «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» (١) يدلّ على اعتبار كون العقد واقعاً عن التراضي.
ومنها : النبويّ (٢) المشهور الدالّ على رفع أحكام العمل المكره عليه ، ومنه عقد المكره ، ومن حكمه المرفوع بالإكراه نفوذه بلحوق الرضا.
وفي الجميع من الضعف ما لا يخفى :
أمّا الأوّل : فلأنّ ما يصدر من الهاذل وهو فاعل السخريّة والتهكّم خالٍ عن قصد المعنى المادّي أو عن قصد الإنشاء على وجه منع الخلوّ من حين التلفّظ ، فهو خالٍ عمّا هو العمدة من أركان العقد والرضا اللاحق لا يعطيه الوجود حتّى يؤثّر ، بخلاف عقد المكره الّذي قد عرفت سابقاً أنّه لخلوّه عن الرضا وطيب النفس صار محلّ كلام عندهم ،
__________________
(١) النساء : ٢٩.
(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٩ / ٢ ، ب ٣٠ أبواب الخلل ، الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٢.