ثمّ رضي السيّد بها صحّت. فما قيل : من أنّ معصية السيّد لا يزول حكمها برضاه بعده وأنّ الرضا اللاحق غير نافع ، كما نقل عن طائفة من العامّة (١) غير سديد.
وعن الشيخ في شرح القواعد (٢) الاستشهاد بهذه الرواية وغيرها في قوله المتقدّم بصحّة عقد العبد ، وإن لم يسبقه إذن ولم يلحقه إجازة بل ومع سبق النهي أيضاً ، لأنّ غاية الأمر هو عصيان العبد وإثمه في إيقاع العقد والتصرّف في لسانه الّذي هو ملك للمولى ، لكنّ النهي مطلقاً لا يوجب الفساد خصوصاً النهي الناشئ عن معصية السيّد ، كما يومئ إليه هذه الأخبار الدالّة على أنّ معصية السيّد لا تقدح بصحّة العقد.
وردّ بأنّ الروايات واضحة الدلالة على أنّ الصحّة من جهة ارتفاع كراهة المولى وتبدّله بالرضا بما فعله العبد ، وليس ككراهة الله عزوجل بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه السابق ، فكأنّه قال : «لم يعص الله» حتّى يستحيل تعقّبه للإجازة والرضا ، وإنّما عصى سيّده فإذا أجاز جاز ، فقد علّق الجواز صريحاً على الإجازة ، ويدلّ بالمفهوم على عدم الجواز بعدم الإجازة.
أقول : والأظهر في معنى هذه الروايات كما بيّنّاه أن يحمل نفي معصية الله على انتفاء النهي عن معاملة العبد في نفسها ، فلا يكون عقده من المعاملة المنهيّ عنها لنفسها حتّى يوجب النهي الفساد. وهذا لا ينافي كونها منهيّاً عنها من حيث إنّها تصرّف في ملك المولى بغير إذنه ، أو من حيث كونها معصية للمولى لأنّ كلاًّ من ذلك أمر خارج عن حقيقة المعاملة ، والنهي عنها باعتبار الأمر الخارج لا يوجب الفساد. وبالجملة النهي المتصوّر بالنسبة إلى عقد العبد على وجوه : النهي عنه في نفسه ليكون من المعاملة المنهيّ عنها لنفسها ، والنهي عنه من حيث كونه تصرّفاً غير مأذون فيه ، والنهي عنه من حيث كونه معصية للسيّد إمّا بمعنى عدم إذنه فيه أو بمعنى كونه مخالفة لنهيه ، والمنفيّ بقوله عليهالسلام : «لم يعص الله» هو الوجه الأوّل ، وهو لا ينافي ثبوت النهي على الوجه الثاني أو الثالث.
ودعوى : أنّ قوله : «لم يعص الله» مطلق وإطلاقه يقتضي انتفاء النهي بجميع وجوهه
__________________
(١) الوسائل ٢١ : ١١٤ / ١ ، ب ٢٤ نكاح العبيد والإماء ، التهذيب ٧ : ٣٥١ / ١٤٣٢ ، المغني لابن قدامة ٦ : ٥١٥.
(٢) شرح القواعد ٢ : ٦٩.