فما معنى الفرق والتفصيل ، مدفوعة بأنّ إطلاق الدليل اللفظي لا يعارض الحكم العقلي ولا يدافع الضرورة ، وحرمة التصرّف في ملك الغير من دون إذنه تنشأ من القبح العقلي ، وحرمة معصيته السيّد ثابتة بضرورة الدين ، فإنّ من ضروريّاته حرمة معصية العبيد لمواليهم ، فقضيّة الجمع بينه وبينهما تقييد الإطلاق بالنهي النفسي الغير المنافي لثبوت القبح العقلي والتحريم الضروري. نعم ربّما يتّجه الدعوى المذكورة في الجملة إن صحّ منع القبح العقلي من هذا النحو من التصرّف ، كما يلوح ذلك عن بعض مشايخنا (١) حيث منع في أثناء كلامه حرمة هذا النوع من التصرّفات الجزئيّة تمسّكاً بالسيرة المستمرّة على مكالمة العبيد ونحو ذلك من المشاغل الجزئيّة ، إلّا أنّها لا تتمّ بالنسبة إلى حرمة معصية السيّد ، لكون الضرورة المثبتة لها ممّا لا يمكن الاسترابة والتشكيك فيها.
فرع : لو أمره أحد باشتراء نفسه من مولاه عنه بمال فذهب إلى مولاه وقال : «أمرني أو وكّلني فلان بأن أشتري نفسي منك عنه بكذا» فإن قال المولى : «أنت مأذون في قبول الوكالة» ثمّ قال : «بعتك من فلان بكذا» فقال العبد : «قبلت أو اشتريت» فلا إشكال في الصحّة ، لسبق الإذن في قبول الوكالة على البيع إيجاباً وقبولاً.
وإن قال : «بعتك من فلان بكذا» من دون سبق الإذن صريحاً ، فقال العبد : «قبلت» فالظاهر أيضاً وفاقاً لجماعة منهم الفاضلان في القواعد (٢) والشرائع (٣) الصحّة ، لأنّ قول السيّد «بعتك» مع كونه إيجاباً للبيع إجازة ضمنيّة للعبد في قبوله الوكالة بناءً على أنّه في ذهابه إلى سيّده ليشتري نفسه قصد قبول الوكالة وهو قبول فعلي يكفي في باب الوكالة ، أو أنّه مع كونه إيجاباً للبيع إذن ضمني للعبد في قبول الوكالة بناءً على عدم قصده القبول بالفعل المذكور.
فقول العبد : «قبلت» قبول للبيع حصل بعد قبول الوكالة المأذون فيه ، لا بمعنى أنّ القبول حصل في ضمن قبول البيع حتّى يقال إنّ جزءاً من لفظ «قبلت» ولو أوّل حرف منه حصل قبل تماميّة الوكالة ، بل بمعنى أنّ إخراج العبد نفسه في معرض قبول البيع بعد إيجاب السيّد قبول فعلى ، غاية الأمر عدم اتّصال القبول بإيجاب الوكالة وهو غير
__________________
(١) المكاسب ٣ : ٣٤١.
(٢) القواعد ٢ : ٣٥٢.
(٣) الشرائع ٢ : ١٩٨.