«كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ» (١) و «الطاهر» ومنه قوله تعالى : «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (٢) و «الخالي عن الأذى في النفس والبدن» كما في زمان طيّب أي خالٍ عمّا يؤذي النفس والبدن من حرّ وبرد ونحوهما ، لأنّها مجازات لا يصار إليها إلّا بقرينة وهي منتفية ، أو أنّها بأسرها لوازم للمعنى الحقيقي كما يظهر بأدنى تأمّل. ويقابل الطيّبات بالمعنى المذكور ، وهي ما تستكرهه النفوس وتتنفّر عنها الطباع ، ولا ريب أنّ الأبوال سيّما أبوال الفرس والبغل والحمار منها فيعمّها التحريم.
واستدلّ على المختار أيضاً بوجوه اخر غير مستقيمة :
منها : ما أشار إليه في الرياض «من احتمال الخباثة فيها الموجب للتنزّه عنها ولو من باب المقدّمة» (٣) وملخّصه أنّ هذه الأبوال يحتمل خباثتها والاحتمال يوجب الاجتناب عنها ولو بحكم المقدّمة.
وهذا في غاية الضعف لأنّ الاكتفاء في إيجاب التنزّه في الشبهة التحريميّة بمجرّد الاحتمال من اصول الأخباريّة ، فيدفعه ما تحقّق في الاصول وفاقاً لأصحابنا المجتهدين من عدم الفرق في البناء على أصل البراءة بينها وبين الشبهة الوجوبيّة ، فاحتمال الخباثة لا يوجب الاجتناب جزماً.
وأمّا الاستناد في ذلك إلى قاعدة المقدّمة فلم نتحقّق هنا معناه ، لأنّ مقدّميّة الاجتناب عمّا يحتمل الخباثة بدون ذي المقدّمة ممّا لا يتعقّل فكيف له الوجوب المقدّمي؟ وهو فرع على وجوب ذي المقدّمة.
ولو وجّه بأنّ الخبائث الواقعيّة يجب الاجتناب عنها وهو لا يتمّ إلّا بالاجتناب عمّا يحتمل الخباثة ، فيردّه أنّ الخبائث الواقعيّة إن اريد بها الأشياء الخبيثة في الواقع الّتي لم نعلم خباثتها فوجوب الاجتناب عنها أوّل المسألة ، بل هي من جزئيّات محلّ البحث لأنّ ما يحتمل الخباثة أعمّ ممّا هو خبيث في الواقع ولكن لم يعلم خباثته وما هو غير خبيث في الواقع ، فالاستدلال بوجوب الاجتناب عنها على وجوب الاجتناب عمّا يحتمل الخباثة مصادرة ، بل المقدّمة على هذا التقدير عين ذي المقدّمة.
وإن اريد بها الخبائث الّتي علم خباثتها فالاجتناب لامتيازها عن محتملات
__________________
(١) البقرة : ١٧٢.
(٢) النساء : ٤٣.
(٣) الرياض ١٣ : ٤٦٢ ـ ٤٦٣.