الخباثة ليس متوقّفاً على الاجتناب عنها ، فالمقدّميّة فيه منتفية جزماً.
ولو قيل : إنّ الاشتغال اليقيني في الاجتناب عن معلومات الخباثة يستدعي اليقين بالبراءة ولا يتمّ ذلك إلّا بالاجتناب عمّا يحتمل الخباثة فيكون ذلك مقدّمة علميّة لا وجوديّة ، لردّه ضرورة عدم توقّف اليقين المذكور على هذا الاجتناب أيضاً لمكان الامتياز فيما بينهما ، فلا يبقى بالنسبة إلى ما يحتمل الخباثة إلّا احتمال الحرمة وهو شكّ في التكليف الّذي لا يجري فيه أصل الشغل.
وبالتأمّل في بعض ما ذكر يندفع أيضاً ما في ذيل كلامه في توجيه المقدّميّة من «أنّ التكليف باجتنابه ليس مشروطاً بالعلم بخباثته بل هو مطلق ومن شأنه توقّف الامتثال فيه بالتنزّه عن محتملاته» (١) فإنّ التكليف بالاجتناب وإن لم يكن مشروطاً بالعلم بالخباثة إلّا أنّ العلم طريق إلى إحراز الموضوع وحيث لا علم بالخباثة تفصيلاً ولا إجمالاً فالموضوع غير محرز فلا يبقى إلّا احتمال وجوب الاجتناب والأصل براءة الذمّة عنه وعن العقاب المحتمل ترتّبه على الارتكاب.
وفرض القاعدة في صورة اشتباه ما علم خباثته في الواقع بما يحتمل خباثته خروج عن محلّ البحث ، إذ ليس مبنى الكلام على ذلك ، والمقام ليس من قبيل ما احتمل كونه سمّاً لأنّ احتمال الضرر الدنيوي ـ وهو الهلاك ـ واجب الدفع ولا يتمّ إلّا بالاجتناب عن المحتمل ، واحتمال الضرر الاخروي وهو العقاب مرتفع بالأصل.
ومنها : الأولويّة المستفادة من الأدلّة الدالّة على حرمة الفرث والمثانة هي مجمع البول بناءً على بعدهما بالإضافة إلى البول عن القطع بالخباثة ، فتحريمهما مع ذلك يستلزم تحريم البول القريب من القطع بالاستخباث بالإضافة إليهما بطريق أولى ذكره في الرياض (٢) أيضاً.
وهذا أيضاً كسابقه في الضعف ، لأنّ تحريم الفرث ـ وهو السرجين في الكرش الّذي يقال له بالفارسيّة : «شكنبه» ـ والمثانة ليس لأجل الخباثة بل لنصوص خاصّة دلّت عليه فيهما في جملة محرّمات الذبيحة ، وليس في النصوص دلالة ولا إشعار على كونه من جهة الخباثة ، ومن الجائز كونه لمفسدة في ذاتهما ليست موجودة في الأبوال. فالأولويّة ممنوعة ، وبدونها يكون التعدّي قياساً ، مع تطرّق المنع في الفرث إلى بعده من
__________________
(١) الرياض ١٣ : ٤٦٤.
(٢) الرياض ١٣ : ٤٦٣.