الانتفاع لا من حلّ المنفعة.
وقد ثبت في المسألة السابقة تحريم شرب الأبوال اختياراً للاستخباث فيحرم بيعها مطلقاً ، وتحليل شربها عند الضرورة أو الحاجة للتداوي لا يسوّغ بيعها مطلقاً ، ولا ينتقض ذلك بالأرواث الطاهرة بتقريب أنّ أكلها اختياراً محرّم وجاز بيعها بلا خلاف يظهر ـ كما تقدّم ـ لأنّ أكل الأرواث اختياراً وإن كان محرّماً إلّا أنّه ليس منفعة مقصودة منها ، وسائر منافعها المقصودة من الإيقاد وطبخ المطعومات وغيرهما كلّها محلّلة فيجوز بيعها وشراؤها في تلك المنافع.
ومن هنا يعلم عدم الانتقاض بالطين الّذي مع كون أكله محرّماً جاز بيعه وشراؤها ، لأنّ أكل الطين منفعة غير مقصودة منه وقد حرّمت وسائر منافعه المقصودة الغير المحصورة كلّها محلّلة فيحلّ بيعه وشراؤه في تلك المنافع.
ولا ينتقض أيضاً بالأدوية والعقاقير الّتي جاز تناولها أكلاً أو شرباً أو غيرهما في المرض للتداوي ، وجاز بيعها وشراؤها أيضاً أيضاً بلا خلاف ، مع أنّه حرّم تناولها في غير المرض لمنع كلّيّة تحريم تناولها في غير المرض فإنّها أقسام :
منها : ما يكون نافعاً في المرض وينتفع بها في الصحّة أيضاً أكلاً وشرباً وغيرهما ، لكونها منافع محلّلة.
ومنها : ما يكون نافعاً في المرض ولا ينتفع بها أكلاً وشرباً في الصحّة ، لعدم لذّة في أكلها وشربها ولا فائدة معتدّ بها ، ولكن لا يحرم ذلك لعدم دليل على التحريم ، والأصل هو الحلّ.
ومنها : ما يكون نافعاً في المرض ومضرّاً في الصحّة كبعض السمومات وبعض المسهلات ، وهذا هو الّذي يحرم تناولها في غير المرض للإضرار بحيث لولاه لم يكن محرّماً للأصل ، ونحو هذا التحريم لا يوجب تحريم البيع مطلقاً حتّى في تناولها في المرض للتداوي ، مع كون ذلك منفعة مقصودة محلّلة لأنّها إنّما خلقت واتّخذت لأجل هذه المنفعة لا غير ، وهذه في الحقيقة في موضوع المريض منفعة غالبة مقصودة للعقلاء وهي محلّلة ، فيحلّ بيعها وشراؤها في هذه المنفعة جزماً.