فبان بعد الإتلاف أنّه مال الغير فجاء المالك وغرم المدفوع إليه فيرجع الغريم إلى الدافع بما اغترمه إجماعاً لكونه مغروراً منه ، ونحوه ما لو أحضر عنده مال نفسه وهو جاهل به فبان بعد إتلافه كونه مال نفسه فيرجع إلى الدافع ويأخذ عوضه منه لكونه مغروراً منه في إتلافه.
ومنها : تغريم من زوّج رجلاً بامرأة على أنّها حرّة أو بنت مهيرة أو باكرة فبانت أمة أو بنت أمة أو ثيّبة بمهرها أو نصف مهرها المأخوذ من الزوج ، وكذا مدّعي الوكالة عن رجل في تزويج امرأة فظهر كذبه فإنّه يضمن نصف مهرها لكونه غارّاً.
وأمّا الوجه الثاني (١) : فلأنّ عدم ضمان البائع للمشتري فيما اغترمه للمالك في إتلافاته المستندة في تسليط البائع عليها مجّاناً ضرر ، والضرر منفيّ في الإسلام ، ونفي عدم الضمان إثبات له فهو المطلوب.
ويشكل بأنّ عدم الضمان أمر عدمي وخبر «لا ضرر ولا ضرار» الّذي هو مدرك القاعدة لا يتناول الامور العدميّة ، لأنّ مفاده نفي جعل الأحكام الّتي يترتّب عليها ضرر المسلم بحيث يسند الضرر إلى الله تعالى من حيث إنّه جعلها ، فيختصّ بالأحكام الوجوديّة لأنّها مجعولات الشارع ، والامور العدميّة ليست من مجعولاته بل ولا قابلة للجعل ، فلا تكون مشمولة للخبر.
ويمكن الذبّ بأن ليس في متن الخبر لفظ الجعل ولا الحكم بل كلمة «لا ضرر» لتعذّر حقيقته وهو نفي ماهيّة الضرر حذراً عن الكذب تحمل على نفي الامور الموجبة للضرر من الأحكام المعدودة من شرع الإسلام الّتي يتديّن بها المسلمون ، بحيث يسند الضرر المترتّب عليها إلى الشارع سواء كانت أحكام وجوديّة أو عدميّة ، إذ كما أنّ وجوب الصلوات الخمس في الليل والنهار من شرع الإسلام ويتديّن به المسلمون ، فكذلك عدم وجوب ما زاد عليها ، والخبر ينفي ما يعمّهما إذا ترتّب على وجود الأوّل أو عدم الثاني ضرر المسلم بحيث يسند الضرر إليه تعالى من حيث جعله الأوّل وعدم جعله الثاني.
__________________
(١) تقدّم الوجه الأوّل في ص ٨٧٢.