وبالجملة الأحكام الضرريّة وجوديّة كانت أو عدميّة ، وضابطها ترتّب الضرر على وجودها أو على عدمها ، فكما يجب في حكمة الشارع عدم جعل الأحكام الّتي يلزم من وجودها ضرر المسلم ، فكذلك يجب في حكمته جعل الأحكام الّتي يلزم من عدمها ضرر المسلم ، وهذا هو مفاد الخبر الوارد في مقام الامتنان الّذي هو بالنسبة إلى الأحكام الوجوديّة عدم جعلها وبالنسبة إلى الأحكام العدميّة جعلها.
ونقول : فيما نحن فيه أنّ عدم ضمان البائع للمشتري فيما اغترمه حكم ضرري يترتّب الضرر على عدمه ويسند الضرر إلى الشارع لعدم جعله الضمان ، وينفيه عموم الخبر ونفيه إثبات لجعل الضمان. ويؤيّده مورد الخبر فإنّ عدم سلطنة الأنصاري على قلع عذق سمرة بن جندب ليمرّ إليها سمرة من دون استئذان الأنصاري ضرر على الأنصاري ، كما أنّ سلطنة سمرة على المرور إليها من دون استئذان ضرر عليه ، وقد أثبت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم للأنصاري سلطنة القلع نافياً لسلطنة سمرة بقوله : «اذهب فاقلعها وارم بها إليه أنّه لا ضرر ولا ضرار» (١).
لا يقال : عدم ضمان البائع قد يكون باعتبار حكم الشارع بعدمه ، وقد يكون بمعنى حكمنا به باعتبار عدم الدليل على وجوده ، والخبر إنّما يكون نافياً له على الأوّل لا على الثاني ، لعدم كون الضرر حينئذٍ مسنداً إلى الشارع فلا يعمّه الخبر على الثاني ، وهو المراد من عدم ضمان البائع للمشتري لأنّا نفرض قضيّة البائع والمشتري من حيث الضمان وعدمه واقعيّة ، والنقيضان كما لا يجتمعان في الواقع كذلك لا يرتفعان في الواقع.
فنقول : إنّ الشارع في الواقع إمّا جعل الضمان على البائع للمشتري فيما اغترمه للمالك أو لم يجعله ، ولا سبيل إلى الثاني للزوم الضرر بحيث يسند لزومه إلى الشارع بسبب عدم جعله الضمان وهو منفيّ بعموم الخبر فتعيّن الأوّل ، إذ لا واسطة بين الجعل وعدم الجعل وهو المقصود بالاستدلال.
وأمّا الوجه الثالث : وهو الإجماع فقد ذكره شيخنا قدسسره وقال : «إنّه وإن لم يرد في خصوص المسألة إلّا أنّ تحقّقه في نظائر المسألة كافٍ ، فإنّ رجوع آكل طعام الغير إلى
__________________
(١) الوسائل ٢٥ : ٤٢٨ / ٣ ، ب ١٢ كتاب إحياء الموات ، التهذيب ٧ : ١٤٦ / ٦٥١.