ابتداء النظر ، وتوضيحه : أنّ العهدة والعهد والذمّة بحسب أصل اللغة على ما ستفاد من كلام أئمّة اللغة بمعنى ، والأصل في معنى الذمّة المرادفة للعهدة ما عن أبي عبيدة من قوله : الذمّة التذمّم ممّن لا عهد له ، وهو أن يلزم الإنسان نفسه ذماماً أي حقّاً يوجّه عليه. وفي التفسير من المسامحة ما لا يخفى ، إذ قضيّة جعل الذمّة بمعنى التذمّم أن يفسّر التذمّم بالالتزام وهو الحقّ الّذي لا محيص عنه. فالذمّة بحسب أصل اللغة كلّ التزام للإنسان بحقّ على نفسه سواء كان بسبب اختياري من قبله كالنذر والعهد واليمين والشرط في ضمن العقد اللازم والإتلاف والتسبيب للتلف والإضرار والغصب والجناية وما أشبه ذلك ، أو بسبب قهري من الخالق ـ كالخمس والزكاة واستطاعة الحجّ والنفقة فيمن يجب عليه إنفاقه وما أشبه ذلك ـ أو من المخلوق كالغرور من الغاصب وغيره الموجب لوقوعه قهراً في ضمان مال الغير ونحوه ، فالعهدة المرادفة له حينئذٍ بمعنى التعهّد وهو الالتزام بالحقّ أيضاً على الوجه المذكور. فمعنى كون المال الفلاني في ذمّة فلان أو في عهدته كونه في التزامه بحيث يجب عليه الخروج عن الالتزام بأدائه عيناً أو بدلاً على تقدير التلف.
ثمّ الذمّة بالخصوص في عرف أهل الشرع بدليل قوله «اشتغال الذمّة ، أو مشغول الذمّة ، أو ذمّة فلان مشغولة ، أو ذمّتي مشغولة» حيث يسند الاشتغال إلى الذمّة لا العهدة استعيرت عن الالتزام بالحقّ الّذي هو في حاصل المعنى عبارة عن جعل الحقّ لازماً للنفس أو للعنق إلى النفس أو إلى العنق ، فمعنى اشتغال ذمّة الإنسان بالحقّ اشتغال نفسه أو عنقه به باعتبار كونه لازماً له.
والأظهر هو الثاني كما يرشد إليه استعمالات أهل الفرس وغيرهم وتعبيراتهم حيث يعبّرون عن الذمّة بـ «گردن» وغيره من مرادفاته ممّا عدا اللغة العربيّة ، وإنّما استعيرت إلى العنق لكونه الجزء المقوّم للإنسان. وإنّما خصّصنا الاستعارة إليه بالذمّة ، لعدم إسناد الاشتغال في إطلاقات العرف إلى العهدة فلا يقال : اشتغال العهدة ولا عهدة فلان مشغولة ولا عهدتي مشغولة. وإنّما التزمنا الاستعارة ، لعدم صحّة إسناد الاشتغال إلى نفس الالتزام. ومن الذمّة بمعنى الالتزام بالحقّ اخذ الذمّة في أهل الذمّة في أهل الكتاب الملتزمين بالفدية وغيرها من الشرائط الموجبة لدخولهم في عنوان