على طبع النّار ، فسبحان من [بيده قلب] الطبائع ، وترتيبها كيف يشاء ، وتركيبها كيف أراد.
ومن هذا الباب : أنّ كلّ صانع يأتي بنقش لطيف ، فإنّه يصونه عن التّراب ؛ لئلّا يكدّره ، وعن النار ؛ لئلّا تحرقه ، وعن الهواء ؛ لئلّا يغيره ، وعن الماء ؛ لئلا تذهب به ، ثم إنّه سبحانه وتعالى وضع نقش خلقته على هذه الأشياء ؛ فقال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : ٥٩] ، وقال في النار : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) [الرحمن : ١٥] وقال تعالى : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) [الأنبياء : ٩١] وقال تعالى في الماء : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠] ؛ وهذا يدلّ على أن صنعه بخلاف صنع كلّ أحد ؛ وأيضا : انظر إلى الطّفل بعد انفصاله من أمّه ، لو وضعت على فمه وأنفه ثوبا [فانقطع نفسه](١) ، لمات في الحال ، ثمّ إنه بقي في الرّحم المنطبق مدّة [مديدة] ، مع تعذّر النّفس هناك ، ولم يمت ، [ثم إنّه] بعد الانفصال يكون من أضعف الأشياء ، وأبعدها عن الفهم ؛ بحيث لا يميز بين الماء والنّار ، وبين الأم وغيرها ، وبعد استكماله يصير أكمل الحيوانات في الفهم والعقل والإدراك ، ليعلم أنّ ذلك من عظمة القادر الحكيم ، هذا بعض ما في الإنسان.
وأمّا الكلام على بقيّة الحيوان ، فبحر لا ساحل له.
قوله تعالى : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) : «تصريف» : مصدر «صرّف» ، وهو الرّدّ والتّقليب ، ويجوز أن يكون مضافا للفاعل ، والمفعول محذوف ، تقديره : [وتصريف الرّياح السّحاب ؛ فإنّها تسوق السّحاب ، وأن يكون مضافا للمفعول ، والفاعل محذوف ، أي :](٢) وتصريف الله الرّياح ، والرّياح : جمع «ريح» ، جمع تكسير ، وياء الرّيح ، والرّياح عن واو ، والأصل «روح» ؛ لأنّه من : راح يروح ، وإنّما قلبت في «ريح» ؛ لسكونها ، وانكسار ما قبلها ، وفي «رياح» ؛ لأنّها عين [في جمع] بعد كسرة ، وبعدها ألف ، وهي ساكنة في المفرد ، وهي إبدال مطّرد ؛ ولذلك لمّا زال موجب [قلبها ، رجعت إلى أصلها] ؛ فقالوا : أرواح ؛ قال : [الطويل]
٨٧٤ ـ أربّت بها الأرواح كلّ عشيّة |
|
فلم يبق إلّا آل خيم منضّد (٣) |
ومثله : [الوافر]
٨٧٥ ـ لبيت تخفق الأرواح فيه |
|
أحبّ إليّ من قصر منيف (٤) |
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) البيت لزهير. ينظر ديوانه : (٣٦) ، والبحر المحيط : ١ / ٦٣٠ ، والدر المصون : ١ / ٤٢٤.
(٤) البيت لميسون بنت بحدل. ينظر الحماسة الشجرية : ٢ / ٥٧٣ ، والدر المصون : ١ / ١ / ٤٢٤.