قوله : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ ، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) فهذه كالتّفصيل لجملة عداوته ، وهو مشتمل على أمور ثلاثة :
أولها : السّوء ، وهو : متناول جميع المعاصي ، سواء كانت تلك المعاصي من أفعال الجوارح ، أو من أفعال القلوب.
وسمّي السّوء سوءا ؛ لأنّه يسوء صاحبه بسوء عواقبه ، وهو مصدر : «ساءه يسوءه سوءا ومساءة» إذا أحزنه ، و «سؤته ، فسيء» إذا أحزنته ، فحزن ؛ قال تعالى : (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الملك : ٢٧] ؛ قال الشّاعر : [السريع]
٨٨٩ ب ـ وإن يك هذا الدّهر قد ساءني |
|
فطالما قد سرّني الدّهر |
ألأمر عندي فيهما واحد |
|
لذاك شكر ولذا صبر (١) |
وثانيها : الفحشاء ، وهو مصدر من الفحش ؛ كالبأساء من البأس ، والفحش : قبح المنظر.
قال امرؤ القيس : [الطويل]
٨٩٠ ـ وجيد كجيد الرّئم ليس بفاحش |
|
إذا هي نصّته ولا بمعطّل (٢) |
وتوسّع فيه ، حتّى صار يعبر به عن كلّ مستقبح معنى كان أو عينا.
والفحشاء : نوع من السّوء ، كأنّها أقبح أنواعه ، وهي : ما يستعظم ، ويستفحش من المعاصي.
وثالثها : (أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) فكأنّه أقبح الأشياء ؛ لأنّ وصف الله تعالى بما لا ينبغي من أعظم أنواع الكبائر ، فهذه الجملة كالتفسير لقوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ).
فدلّت الآية الكريمة على أنّ الشيطان يدعو إلى الصّغائر والكبائر ، والكفر ، والجهل بالله.
وروي عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أنّه قال : «الفحشاء» من المعاصي : ما فيه حدّ ، والسّوء من الذّنوب ما لا حدّ فيه.
وقال السّدّيّ : هي الزّنا (٣).
__________________
(١) ينظر القرطبي : ٢ / ١٤١.
(٢) البيت من معلقته المشهورة. ينظر ديوانه : (١١٥) ، والزوزني (٢١) والشنقيطي : (٦٣) ، البحر المحيط : (١ / ٦٥١) والدر المصون : ١ / ٤٣٥.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٠٣) عن السدّي ، والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٠٦).