قال القرطبيّ (١) : لا خلاف في أنّ جملة الخنزير محرّمة ، إلّا الشّعر ، فإنّه يجوز الخرازة به.
قوله : (وَما أُهِلَّ بِهِ) : «ما» موصولة بمعنى «الّذي» ، ومحلّها : إمّا النصب ، وإمّا الرفع ؛ عطفا على «الميتة» والرّفع : إما خبر «إنّ» ، وإما على الفاعلية ؛ على حسب ما تقدم من القراءات ؛ و «أهلّ» مبنيّ للمفعول ، والقائم مقام الفاعل هو الجار والمجرور في «به» والضمير يعود على «ما» والباء بمعنى «في» ولا بد من حذف مضاف ، أي : «في ذبحه» ؛ لأن المعنى : «وما صيح في ذبحه لغير الله» ، والإهلال : مصدر «أهلّ» ، أي : صرخ.
قال الأصمعيّ : أصله رفع الصّوت ، وكلّ رافع صوته ، فهو مهلّ. ومنه الهلال ؛ لأنّه يصرخ عند رؤيته ، واستهلّ الصبيّ ؛ قال ابن أحمر : [السريع]
٩٠١ ـ يهلّ بالغرقد ركبانها |
|
كما يهلّ الرّاكب المعتمر (٢) |
وقال النّابغة : [الكامل]
٩٠٢ ـ أو درّة صدفيّة غوّاصها |
|
بهج متى يرها يهلّ ويسجد (٣) |
وقال القائل : [المديد]
٩٠٣ ـ تضحك الضّبع لقتلى هذيل |
|
وترى الذّئب لها يستهلّ (٤) |
وقيل للمحرم : مهلّ ؛ لرفع الصوت بالتّلبية ، و «الذّابح» مهلّ ؛ لأنّ العرب كانوا يسمّون الأوثان عند الذّبح ، ويرفعون أصواتهم بذكرها ، فمعنى قوله : (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) ، يعني : ما ذبح للأصنام ، والطّواغيت ، قاله مجاهد ، والضّحّاك وقتادة (٥) ، وقال الرّبيع ابن أنس ، وابن زيد : يعني : ما ذكر عليه غير اسم الله (٦).
قال ابن الخطيب (٧) ـ رحمهالله ـ : وهذا القول أولى ؛ لأنّه أشدّ مطابقة للّفظ.
قال العلماء : لو ذبح مسلم ذبيحة ، وقصد بذبحها التقرّب إلى [غير] الله تعالى ، صار مرتدّا ، وذبيحته ذبيحة مرتدّ ، وهذا الحكم في ذبائح غير أهل الكتاب.
__________________
(١) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ١٥٠.
(٢) البيت ذكره ابن منظور في اللسان «عمر». وينظر الدر المصون : ١ / ٤٤٢.
(٣) ينظر ديوانه : (١٠٧) ، والقرطبي : ٢ / ١٥١ ، والدر المصون : ١ / ٤٤٢.
(٤) البيت لتأبط شرا. ينظر الحماسة : ١ / ٤٠٣ ، واللسان «ضحك» ، والبحر المحيط : ١ / ٦٥٢ ، والدر المصون : ١ / ٤٤٢.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٢٠) عن قتادة ومجاهد والضحاك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٠٨) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بمعناه عن أبي العالية ، كما في «الدر المنثور» (١ / ٣٠٨).
(٧) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٥ / ١١.