ـ تعالى ـ جعلهم عدولا في الدنيا لأجل أن يكونوا شهداء ، وذلك يقتضي أن يكونوا شهداء في الدنيا.
وإنما قلنا : إنه ـ تعالى ـ جعلهم عدولا في الدنيا ؛ لأنه ـ تعالى ـ [قال : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) وهذا إخبار عن الماضي ، فلا أقل من حصوله في الحال ، وإنما قلنا : إن ذلك يقتضي صيرورتهم شهودا في الدنيا ؛ لأنه تعالى](١) قال : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) رتب كونهم شهداء على صيرورتهم وسطا ترتيب الجزاء على الشرط ، فإذا حصل وصف كونهم وسطا في الدنيا [وجب أن يحصل وصف كونهم شهداء في الدنيا](٢).
فإن قيل : تحمّل الشهادة لا يحصل إلا في الدنيا ، ومتحمّل الشهادة قد يسمى شاهدا ، وإن كان الأداء لا يحصل إلا في القيامة.
قلنا : الشهادة المعتبرة في الآية لا التحمل ، بدليل أنه ـ تعالى ـ اعتبر العدالة في هذه الشهادة ، والشهادة التي يعتبر فيها العدالة ، هي الأداء لا التحمّل ، فثبت أن الآية تقتضي كون الأمة مؤدّين للشهادة في الدنيا ، وذلك يقتضي أن يكون مجموع الأمة إذا أخبروا عن شيء أن يكون قولهم حجّة ، ولا معنى لقولنا : الإجماع حجة إلا هذا ، فثبت أن الآية تدلّ على أن الإجماع حجّة [من هذا الوجه أيضا](٣).
واعلم أن هذا الدليل لا ينافي كونهم شهودا في القيامة أيضا على الوجه الذي وردت الأخبار به ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) يعني مؤديا ومبينا ، ثم لا يمتنع أن تحصل مع ذلك لهم الشّهادة في الآخرة ، فيجري الواقع منهم في الدنيا مجرى التحمّل ، لأنهم إذا أثبتوا الحقّ عرفوا عنده من [القابل ومن الراد](٤) ، ثم يشهدون بذلك يوم القيامة [على أن الشّاهد على العقود يعرف الذي تم ، والذي لم يتم ، ثم يشهدون بذلك عند الحاكم.
قال القرطبي رحمهالله : معنى قوله تعالى : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) أي : بأعمالكم يوم القيامة.
وقيل : «عليكم» بمعنى لكم أي : يشهد لكم بالإيمان.
وقيل : يشهد عليكم بالتبليغ لكم](٥).
وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ ...) في هذه الآية خمسة أوجه :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : المحق من المبطل.
(٥) سقط في ب.