الحيف ، عن طريق الحقّ مع ضرب من الجهالة ، أو مع التأويل ، أو شاهد من التّعمّد في الميل ، فعند ظهور الأمارة قبل تحقيق الوصيّة ، يأخذ في الإصلاح ؛ لأنّ إصلاح الأمر عند ظهور أمارات فساده ، وقبل تقرير فساده يكون أسهل ؛ فلذلك علّقه ـ تعالى ـ بالخوف دون العلم.
الثاني : الموصي له الرجوع عن الوصيّة ، وفسخها ، وتغييرها بالزّيادة والنّقصان ، ما لم يمت ، وإذا كان كذلك ، لم يصر الجنف والإثم معلومين ؛ فلذلك علّقه بالخوف.
الثالث : يجوز أن يصلح الورثة والموصى له بعد الموت على ترك الميل والجنف ، وإذا كان ذلك منتظرا ، لم يكن الجنف ، والإثم مستقرّا ؛ فصحّ تعليقه بالخوف.
وقيل : [الخوف] بمعنى العلم ، وهو مجاز ، والعلاقة بينهما هو أنّ الإنسان لا يخاف شيئا ؛ حتى يعلم أنه ممّا يخاف منه ، فهو من باب التعبير عن السّبب بالمسبّب ؛ ومن مجيء الخوف بمعنى العلم قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٢٩] ، وقول أبي محجن الثقفيّ : [الطويل]
٩٢٣ ـ إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة |
|
تروّي عظامي في الممات عروقها |
ولا تدفننّي في الفلاة فإنّني |
|
أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها (١) |
فعلى هذا يكون معنى الآية الكريمة أن الميّت إذا أخطأ في وصيّته ، أو جنف فيها متعمّدا ، فلا حرج على من علم ذلك أن يغيّره ، بعد موته ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والرّبيع (٢) ، وأصل «خاف» «خوف» تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها ؛ فقلبت ألفا ، وأهل الكوفة يميلون هذه الألف.
و «الجنف» فيه قولان :
أحدهما : الميل ؛ قال الأعشى : [الطويل]
٩٢٤ ـ تجانف عن حجر اليمامة ناقتي |
|
وما قصدت من أهلها لسوائكا (٣) |
وقال آخر : [الوافر]
__________________
(١) البيتان في : ديوانه ص ٤٨ ، والأزهية ص ٦٧ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٩٨ ، ٤٠٢ ، والدرر ٤ / ٥٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٠١ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٣١ ، ولسان العرب (فنع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٠ ، والدر المصون ١ / ٤٥٨.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٥٧.
(٣) ينظر ديوانه ص ١٣٩ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣٥ ، ٤٣٨ ، ٤٤١ ، والدرر ٣ / ٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٣٧ ، والكتاب ١ / ٣٢ ، ٤٠٨ ، ولسان العرب (جنف) ، (سوا) والأضداد ص ٤٤ ، ١٩٨ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٦٤ ، والمحتسب ٢ / ١٥٠ ، والمقتضب ٤ / ٣٤٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٢ ، والدر المصون ١ / ٤٥٨.