فإن قوله : «كرام» صفة ل «جيران» ، وزاد بينهما «كانوا» ، وهي رافعة للضمير ، ومن منع ذلك تأول «لنا» خبرا مقدما ، وجملة الكون صفة ل «جيران».
والثاني : أن «كان» غير زائدة ، بل يكون «كبيرة» خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وإن كانت لهي كبيرة ، وتكون هذه الجملة في محلّ نصب خبرا لكانت ، ودخلت لام الفرق على الجملة الواقعة خبرا. وهو توجيه ضعيف ، ولكن لا توجه هذه القراءة الشّاذة بأكثر من ذلك.
[والضمير في «كانت» فيه وجهان :
الأول : أنه يعود على القبلة ؛ لأن المذكور السابق هو القبلة.
والثاني : يعود إلى ما دلّ عليه الكلام السّابق ، وهو مفارقة القبلة ، والتأنيث للتولية أي : وإن كانت التولية ؛ لأن قوله تعالى : (ما وَلَّاهُمْ) يدل على القولية ، ويحتمل أن يكون المعنى : وإن كانت هذه الفعلة نظيره «فبها ونعمت».
ومعنى «كبيرة» ثقيلة شاقّة مستنكرة.
وقوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) [الكهف : ٥]](١).
قوله : (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ) متعلق ب «كبيرة» ، وهو استثناء مفرغ.
فإن قيل : لم يتقدم هنا نفي ولا شبهة ، وشرط الاستثناء المفرغ تقدم شيء من ذلك.
فالجواب : أن الكلام وإن كان موجبا لفظا فإنه في معنى النفي ؛ إذ المعنى أنها لا تخف ولا تسهل إلا على الذين ، وهذا التأويل بعينه قد ذكروه في قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة : ٤٥].
وقال أبو حيان : [هو استثناء من مستثنى محذوف تقديره : وإن كانت لكبيرة على النّاس إلا على الذين](٢) وليس استثناء مفرغا ؛ لأنه لم يتقدمه نفي ولا شبهة ، وقد تقدم جواب ذلك [واستدل الأصحاب رحمهمالله ـ تعالى ـ بهذه الآية على خلق الأعمال](٣).
قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ) في هذا التركيب وما أشبهه [مما ورد في القرآن وغيره] نحو : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) [آل عمران : ١٧٩] ، (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ) [آل عمران : ١٧٩] قولان :
أحدهما : قول البصريين ؛ وهو أن خبر «كان» محذوف ، وهذه اللام تسمى لام الجحود ينتصب الفعل بعدها بإضمار «أن» وجوبا ، فينسبك منها ومن الفعل مصدر منجرّ بهذه «اللام» ، وتتعلق هذه اللام بذلك الخبر المحذوف.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.