وصامت يوما في السّنة ، زعموا أنه يوم أن غرق فيه فرعون ، وكذبوا في ذلك أيضا ؛ لأن ذلك اليوم يوم عاشوراء على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ وأما النصارى ، فإنهم صاموا رمضان زمانا طويلا ، فصادفوا فيه الحرّ الشديد ، فكان يشقّ عليهم في أسفارهم ومعايشهم ، فاجتمع رأي علمائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السّنة بين الشّتاء والصّيف ، فجعلوه في الرّبيع ، وحوّلوه إلى وقت لا يتغيّر ، ثم قالوا عند التّحويل : زيدوا فيه عشرة أيّام كفّارة لما صنعوا ؛ فصار أربعين يوما ، ثم إنّ ملكا منهم اشتكى ، فجعل لله عليه ، إن برىء من وجعه : أن يزيد في صومهم أسبوعا ، فبرىء ، فزادوه ، ثمّ جاء بعد ذلك ملك آخر ؛ فقال : ما هذه الثلاثة ، فأتمّه خمسين يوما ، وهذا معنى قوله : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ)(١) [التوبة : ٣١]. قاله الحسن.
وثالثها : قال مجاهد : أصابهم موتان ، فقالوا : زيدوا في صيامكم ، فزادوا عشرا قبل وعشرا بعد (٢).
ورابعها : قال الشعبي : إنهم (٣) أخذوا بالوثيقة ، وصاموا قبل الثلاثين يوما ، وبعدها يوما ، ثم لم يزل الأخير يستسن بالقرن الذي قبله ، حتى صاروا إلى خمسين يوما ، ولهذا كرّه صوم يوم الشّكّ (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤١١) عن السدي.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤١٠) عن الشعبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٢٢ ، ٣٢٣) وتفسير البغوي ١ / ١٤٩.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٦٠.
(٤) صوم يوم الشّكّ ، وهو يوم الثلاثين من شعبان ، إذا تحدّث الناس برؤية الهلال ، ولم يشهد بها أحد ، أو شهد بها جمع لا يعتدّ بشهادتهم ؛ كالصبيان والنساء ، والعبيد ، ولا بدّ أن يكون صدقهم محتملا ، أمّا إذا لم يكن محتملا ـ بأن أطبق الناس على كذبهم ـ ، فلا يكون يوم شكّ ، بل هو من شعبان ، وكذا إن لم يتحدث برؤيته ، ولم يشهد بها أحد ، أو شهد بها واحد ممّن ذكر سابقا ، فلا يكون اليوم يوم شك ، بل هو من شعبان ، وإن أطبق الغيم ؛ لخبر : فإن غم عليكم ، فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين يوما.
ويدل على كراهته كراهة تحريم : ما روي عن عمار بن ياسر ؛ أنه قال : من صام يوم الشّكّ فقد عصى أبا القاسم. ومحلّ كراهة صومه ؛ إذا لم يكن له سبب يقتضيه ، أما إذا كان له سبب يقتضي صومه ، فلا كراهة.
ومن الأسباب التي تقتضي صومه : أن يوافق عادة له في تطوع ؛ كأن كان يصوم الاثنين والخمسين من كل أسبوع ، فوافق أحدهما يوم الشّكّ ، أو كان يصوم يوما ويفطر يوما ، فوافق يوم الشّكّ يوم صومه ؛ لخبر الصحيحين : «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين ، إلا رجل كان يصوم يوما فليصمه» كأن اعتاد صوم الدهر ، أو صوم يوم وإفطار يوم ، ومثل يوم الشّك في عدم جواز صومه إلا لسبب النصف الثاني من شعبان ، فإذا انتصف شعبان ، لا يجوز الصوم إلا إذا كان عن نذر ، أو كفارة ، أو قضاء.
أو كان يصوم يوما ويفطر يوما أو اعتاد صوم أيّام مخصوصة ؛ فله أن يصوم ما اعتاده ؛ والسّر في النهي عن صومه ؛ أن في إفطاره إبقاء قوة الجسم ، وحفظ قدرته على صوم رمضان.
ومحلّ عدم جواز صومه إذا لم يصله بما قبله ، أما إذا وصله بما قبله ولو بالخامس عشر ، فلا كراهة. ـ