قلنا : إنّما كانت قبل أن صارت منسوخة دالّة على أنّ القدرة حاصلة قبل الفعل ، والحقائق لا تتغيّر.
قوله : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قال مجاهد وعطاء ، وطاوس : أي : زاد على مسكين واحد ؛ فأطعم مكان كل يوم مسكينين ، فأكثر (١).
الثاني : أن يطعم المسكين الواحد أكثر من القدر الواجب.
الثالث : قاله الزّهريّ : من صام مع الفدية ، فهو خير (٢) له.
قوله : (وَأَنْ تَصُومُوا) في تأويل مصدر مرفوع بالابتداء ، تقديره : «صومكم» ، و «خير» خبره ، ونظيره : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢٣٧].
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) شرط حذف جوابه ، تقديره : فالصّوم خير لكم ، وحذف مفعول العلم ؛ إما اقتصارا ، أي : إن كنتم من ذوي العلم والتمييز ، أو اختصارا ، أي : تعلمون ما شرعيته وتبيينه ، أو فضل ما علمتم.
من ذهب إلى النّسخ ، قال : معناه : الصّوم خير له من الفدية ، وقيل : هذا في الشّيخ الكبير ، لو تكلّف الصّوم ، وإن شقّ عليه ، فهو خير له من أن يفطر ويفدي.
وقيل : هذا خطاب مع كل من تقدّم ذكره ، أعني : المريض ، والمسافر ، والذين يطيقونه.
قال ابن الخطيب (٣) : وهذا أولى ؛ لأنّ اللفظ عامّ ، ولا يلزم من اتّصاله بقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أن يكون حكمه مختصّا بهم ، لأنّ اللفظ عامّ ، ولا منافاة في رجوعه إلى الكلّ ، فوجب الحكم بذلك ، واعلم أنه لا رخصة لمؤمن مكلّف في إفطار شهر رمضان ، إلّا لثلاثة :
أحدهم ـ يجب عليه القضاء والكفّارة : هو الحامل والمرضع ، إذا خافتا على ولديهما يفطران ، ويقضيان ، وعليهما مع القضاء الفدية ، وهو قول ابن عمر ، وابن عبّاس ، وبه قال مجاهد ، وإليه ذهب الشافعيّ وأحمد (٤).
وقال قوم : لا فدية عليهما ، وبه قال الحسن ، وعطاء ، والنّخعيّ ، والزّهريّ ، وإليه ذهب الأوزاعيّ والثوريّ (٥) وأصحاب الرّأي.
الثاني ـ عليه القضاء دون الكفّارة : وهو المريض والمسافر.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥٠.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٧٠.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٧٠.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥٠.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥٠.