والثاني : أن يكون بدلا من قوله «الصّيام» ، أي : كتب عليكم شهر رمضان ، وهذا الوجه ، وإن كان ذهب إليه الكسائيّ بعيد جدّا ؛ لوجهين :
أحدهما : كثرة الفصل بين البدل والمبدل منه.
والثاني : أنّه لا يكون إذ ذاك إلّا من بدل الإشمال ، وهو عكس بدل الاشتمال ؛ لأنّ بدل الاشتمال غالبا بالمصادر ؛ كقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) [البقرة : ٢١٧] ، وقول الأعشى : [الطويل]
٤٣٩ ـ لقد كان في حول ثواء ثويته |
|
تقضّي لبانات ويسأم سائم (١) |
وهذا قد أبدل فيه الظرف من المصدر ، ويمكن أن يوجّه قوله بأنّ الكلام على حذف مضاف ، تقديره : صيام شهر رمضان ؛ وحينئذ : يكون من باب بدل الشّيء من الشّيء ، وهما لعين واحدة ، ويجوز أن يكون الرّفع على البدل من قوله (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) في قراءة من رفع «أيّاما» ، وهي قراءة عبد الله ، وفيه بعد.
والقراءة الثانية : النصب ، وفيه أوجه :
أجودها : النصب بإضمار فعل ، أي : صوموا شهر رمضان.
الثاني ـ وذكره الأخفش (٢) والرّمّانيّ ـ : أن يكون بدلا من قوله (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) ، وهذا يقوّي كون الأيام المعدودات هي رمضان ، إلا أن فيه بعدا من حيث كثرة الفصل.
الثالث : نصبه على الإغراء ؛ ذكره أبو عبيدة والحوفيّ.
الرابع : أن ينتصب بقوله : (وَأَنْ تَصُومُوا) ؛ حكاه ابن عطية (٣) ، وجوّزه الزمخشريّ (٤) ، واعترض عليه ؛ بأن قال : فعلى هذا التقدير يصير النّظم : «وأن تصوموا رمضان الّذي أنزل فيه القرآن خير لكم».
فهذا يقتضي وقوع الفصل بين المبتدأ والخبر بهذا الكلام الكثير ، وهو غير جائز ؛ لأنّ المبتدأ والخبر جاريان مجرى شيء واحد ، وإيقاع الفصل بين الشّيء الواحد غير جائز. وغلّطهما أبو حيان : «بأنّه يلزم منه الفصل بين الموصول وصلته بأجنبيّ ؛ لأنّ الخبر ، وهو «خير» أجنبيّ من الموصول ، وقد تقدّم أنه لا يخبر عن الموصول ، إلّا بعد
__________________
(١) ينظر : ديوانه ص ١٢٧ ، والأغاني ٢ / ٢٠٦ ، والرد على النحاة ص ١٢٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٩ ، والكتاب ٣ / ٣٨ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٠٦ ، والمقتضب ١ / ٢٧ ، ٢ / ٢٦ ، ٤ / ٢٩٧ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٩٩ ، ورصف المباني ص ٤٢٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٩٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٦٥ ، والدر المصون ١ / ٤٦٤.
(٢) ينظر : معاني القرآن ١ / ١٥٩.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٥٠.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٣٣٦.