[المزمل : ١٥ ـ ١٦] ، ومن هنا قال ابن عبّاس : «لن يغلب عسر يسرين» وضابط هذا أن يحلّ محلّ الثاني ضمير النكرة الأولى ؛ ألا ترى أنه لو قيل : فعصاه ، لكان كلاما صحيحا»؟
قال أبو حيان : «وما قاله ابن عطية لا يتأتّى هنا ؛ لأنه ذكر هو والمعربون أن «هدى» منصوب على الحال ، والحال وصف في ذي الحال ، وعطف عليه «وبيّنات» ، فلا يخلو قوله «من الهدى» ـ المراد به الهدى الأول ـ من أن يكون صفة لقوله «هدى» أو لقوله «وبيّنات» أو لهما ، أو متعلّقا بلفظ «بيّنات» ، لا جائز أن يكون صفة ل «هدى» ؛ لأنه من حيث هو وصف ، لزم أن يكون بعضا ، ومن حيث هو الأول ، لزم أن يكون إياه ، والشيء الواحد لا يكون بعضا كلّا بالنسبة لماهيّته ، ولا جائز أن يكون صفة لبينات فقط ؛ لأنّ «وبيّنات» معطوف على «هدى» و «هدى» حال ، والمعطوف على الحال حال ، والحالان وصف في ذي الحال ، فمن حيث كونهما حالين تخصّص بهما ذو الحال ؛ إذ هما وصفان ، ومن حيث وصفت «بيّنات» بقوله : «من الهدى» خصصناها به ، فتوقّف تخصيص القرآن على قوله : «هدى وبيّنات» معا ، ومن حيث جعلت «من الهدى» صفة ل «بيّنات» ، وتوقّف تخصيص «بيّنات» على هدى ، فلزم من ذلك تخصيص الشيء بنفسه ، وهو محال ، ولا جائز أن يكون صفة لهما ؛ لأنه يفسد من الوجهين المذكورين من كونه وصف الهدى فقط ، أو بينات فقط.
ولا جائز أن يتعلّق بلفظ «بيّنات» ؛ لأنّ المتعلّق قيد في المتعلّق به ؛ فهو كالوصف ؛ فيمتنع من حيث يمتنع الوصف ، وأيضا : فلو جعلت هنا مكان الهدى ضميرا ، فقلت : منه ـ أي : من ذلك الهدى ـ لم يصحّ ؛ فلذلك اخترنا أن يكون الهدى والفرقان عامّين ، حتى يكون هدى وبينات بعضا منهما».
قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) إلى قوله : (تَشْكُرُونَ) نقل الواحديّ في «البسيط» عن الأخفش والمازنيّ أنهما قالا : الفاء في قوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ) زائدة ؛ قالا : وذلك لأنّ الفاء قد تدخل للعطف ، أو للجزاء ، أو تكون زائدة ، وليس لكونها للعطف ، ولا للجزاء هاهنا وجه ؛ ومن زيادة الفاء قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ (١) مُلاقِيكُمْ) [الجمعة : ٨].
قال : وأقول : يمكن أن تكون «الفاء» هاهنا للجزاء ؛ فإنه تعالى لما بيّن رمضان مختصّا بالفضيلة العظيمة التي لا يشاركه سائر الشّهور فيها ، فبيّن أنّ اختصاصه بتلك الفضيلة يناسب اختصاصه بهذه العبادة ، ولو لا ذلك ، لما كان لتقديم بيان تلك الفضيلة هاهنا وجه ، كأنه قيل : لما علم اختصاص هذا الشهر بهذه الفضيلة ، فأنتم أيضا خصصتموه بهذه الفضيلة أي العبادة ، وأما قوله تعالى : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [الجمعة : ٨] الفاء فيه غير زائدة أيضا ، بل هذا من باب مقابلة الضّدّ بالضدّ ؛ كأنه قيل : لمّا فرّوا من