الموت ، فجزاؤهم أن يقرب الموت منهم ؛ ليعلموا أنّه لا يغني الحذر عن القدر. و «من» فيها الوجهان : أعني كونها موصولة ، أو شرطية ، وهو الأظهر ، و «منكم» في محلّ نصب على الحال من الضمير المستكنّ في «شهد» فيتعلّق بمحذوف ، أي : كائنا منكم ، وقال أبو البقاء (١) : «منكم» حال من الفاعل ، وهي متعلقة ب «شهد» ، قال أبو حيان : «فناقض ؛ لأنّ جعلها حالا يوجب أن يكون عاملها محذوفا ، وجعلها متعلّقة ب «شهد» يوجب ألّا تكون حالا» ويمكن أن يجاب عن اعتراض أبي حيّان عليه بأنّ مراده التعلّق المعنويّ ، فإنّ «كائنا» الذي هو عامل في قوله «منكم» هو متعلّق ب «شهد» وهو الحال حقيقة.
وفي نصب «الشّهر» قولان :
أحدهما : أنه منصوب على الظرف ، والمراد بشهد : حضر ، ويكون مفعول «شهد» محذوفا ، تقديره : فمن شهد منكم المصر أو البلد في الشّهر.
والثاني : أنه منصوب على المفعول به ، وهو على حذف مضاف ، ثم اختلفوا في تقدير ذلك المضاف : فالصحيح أنّ تقديره : «دخول الشّهر» ، وقال بعضهم : «هلال الشّهر» قال شهاب الدين : وهذا ضعيف ؛ لوجهين :
أحدهما : أنك لا تقول : شهدت الهلال ، إنما تقول : شاهدت الهلال.
ويمكن أن يجاب بأنّ المراد من الشّهود : الحضور.
والثاني : أنه كان يلزم الصوم كل من شهد الهلال ، وليس كذلك ، قال : ويجاب بأن يقال: نعم ، الآية تدلّ على وجوب الصوم على عموم المكلّفين ، فإن خرج بعضهم بدليل ، فيبقى الباقي على العموم.
قال الزمخشريّ : «الشّهر» منصوب على الظرف ، وكذلك الهاء في «فليصمه» ولا يكون مفعولا به ؛ كقولك : شهدت الجمعة ؛ لأنّ المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشّهر» وفي قوله : «الهاء منصوبة على الظرف» نظر لا يخفى ؛ لأن الفعل لا يتعدّى لضمير الظرف إلّا ب «في» ، اللهم إلّا أن يتوسّع فيه ، فينصب نصب المفعول به ، وهو قد نصّ على أنّ نصب الهاء أيضا على الظرف.
والفاء في قوله : «فليصمه» : إمّا جواب الشّرط ، وإمّا زائدة في الخبر على حسب ما تقدّم في «من».
واللام لام الأمر ، وقرأ الجمهور (٢) بسكونها ، وإن كان أصلها الكسر ، وإنما
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٨٢.
(٢) انظر : الشواذ ١٢ ، ونسبها ابن عطية ١ / ٢٥٤ إلى الحسن وعيسى الثقفي والزهري وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي حيوة.
وانظر : البحر المحيط ٢ / ٤٨ ، والدر المصون ١ / ٤٦٨.