وسابعها : قال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ عن الله تعالى : «من شغله ذكري عن مسئلتي»(١).
وقال الجمهور (٢) : الدعاء أفضل مقامات العبوديّة ، واحتجّوا بأدلّة :
الأول : هذه الآية الكريمة.
الثاني : قوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : ٦٠].
الثالث : قوله (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ٤٣] بين أنه تعالى ، إذا لم يسأل يغضب ، وقال ـ عليهالسلام ـ «لا ينبغي لأحدكم أن يقول : اللهمّ ، اغفر لي أن شئت ، ولكن يجزم فيقول : اللهمّ اغفر لي» وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «الدّعاء هو العبادة» (٣) وقرأ (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، فقوله «الدّعاء هو العبادة» معناه أنه معظم العبادة ، وأفضل العبادة ؛ كقوله عليه الصّلاة والسّلام : «الحجّ عرفة» (٤) ، أي : الوقوف بعرفة هو الرّكن الأعظم.
الرابع : قوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) [الأعراف : ٥٥] وقال : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) [الفرقان : ٧٧] والآيات في هذا الباب كثيرة ، فمن أبطل الدعاء ، فقد أنكر القرآن ، وأمّا الأحاديث فكثيرة.
والجواب عن شبهتهم الأولى بالمناقضة ؛ فنقول : إقدام الإنسان على الدعاء ، إن
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٢ / ١٥٢) والدارمي (٢ / ٤٤١) وابن نصر في «قيام الليل» ص ٧١ والعقيلي في «الضعفاء» رقم (٣٧٥) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص ٢٣٨ عن أبي سعيد الخدري. وقال الترمذي : حديث حسن غريب. وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (٢ / ٨٢) عن أبيه : هذا حديث منكر وأخرجه أبو نعيم (٧ / ٣١٣) عن حذيقة بلفظ : من شغله ذكرى عن مسألتي.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٨٤.
(٣) أخرجه أبو داود (١ / ٤٦٦) كتاب الصلاة : باب الدعاء حديث (١٤٧٩) والترمذي (٥ / ١٩٤) كتاب التفسير باب من سورة البقرة حديث (٢٩٦٩) وابن ماجه (٣٨٢٨) والطيالسي (١٢٥٢) وابن أبي شيبة (١٠ / ٢٠٠) وأحمد (٤ / ٢٦٧ ، ٢٧١ ، ٢٧٦) وابن حبان (٨٧٨ ـ موارد) والحاكم (١ / ٤٩٠ ـ ٤٩١) والطبراني في «الصغير» (٢ / ٩٧) والبخاري في «الأدب المفرد» (٧١٤) والقضاعي في «مسند الشهاب» رقم (٢٩ ، ٣٠) من حديث النعمان بن بشير. وقال الترمذي : حسن صحيح. وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
وأخرجه أبو يعلى في معجم شيوخه (ص ٣٤٦) رقم (٣٢٨) والخطيب في «تاريخ بغداد» (١٢ / ٢٧٩) من حديث البراء بن عازب مرفوعا بلفظ : «إن الدعاء هو العبادة» وله شاهد من حديث أنس بلفظ : الدعاء مخ العبادة أخرجه الترمذي (٣٤٣١) وقال : غريب.
(٤) أخرجه أبو داود (١٩٤٩) والنسائي (٢ / ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٨) والترمذي (١ / ١٦٨) وابن ماجه (٣٠١٥) والدارمي (٢ / ٥٩) والطحاوي (١ / ٤٠٨) وابن الجارود (٤٦٨) وابن حبان (١٠٠٩) والدارقطني (٢٦٤) والحاكم (١ / ٤٦٤) ، (٢ / ٢٧٨) والبيهقي (٥ / ١١٦ ، ١٧٣) والطيالسي (١٣٠٩) وأحمد (٤ / ٣٠٩) والحميدي (٨٩٩) وابن خزيمة (٢٨٢٢). وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي.