الثاني : معناه قضى الله لكم ؛ كقوله عزوجل : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) [التوبة : ٥١] ، أي : قضاه.
الثالث : ما كتب الله في اللّوح المحفوظ ممّا هو كائن.
الرابع : ما كتب الله في القرآن من إباحة هذه الأفعال.
قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) الفائدة في ذكرهما : أنّه لو اقتصر على قوله : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) لم يعلم بذلك زوال تحريم الأكل والشّرب ، فذكرهما لتتمّ الدلالة على إباحتهما ، وهذا جواب نازلة قيس ، والأول جواب نازلة عمر ، وبدأ بجواب نازلة عمر ، لأنه المهمّ.
قوله : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) «حتّى» هنا غاية لقوله : «كلوا واشربوا» بمعنى «إلى» ، ويقال : تبيّن الشّيء ، وأبان ، واستبان ، وبان كلّه بمعنّى ، وكلّها تكون متعدية ولازمة ، إلّا «بان» فلازم ليس إلّا ، و «من الخيط» لابتداء الغاية ، وهي ومجرورها في محلّ نصب ب «يتبيّن» ؛ لأنّ المعنى : حتى يباين الخيط الأبيض الأسود.
و «من الفجر» يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون تبعيضية ؛ فتتعلّق أيضا ب «يتبيّن» ؛ لأنّ الخيط الأبيض هو بعض الفجر وأوله ، ولا يضرّ تعلّق حرفين بلفظ واحد ؛ لاختلاف معناهما.
والثاني : أن تتعلّق بمحذوف ؛ على أنها حال من الضمير في الأبيض ، أي : الخيط الذي هو أبيض كائنا من الفجر ، وعلى هذا يجوز أن تكون «من» لبيان الجنس ؛ كأنه قيل : الخيط الأبيض الّذي هو الفجر.
والثالث : أن يكون تمييزا ، وهو ليس بشيء ، وإنما بيّن قوله (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) بقوله : (مِنَ الْفَجْرِ) ولم يبيّن الخيط الأسود ؛ فيقول : من اللّيل ؛ اكتفاء بذلك ، وإنما ذكر هذا دون ذاك ؛ لأنّه هو المنوط به الأحكام المذكورة في المباشرة والأكل والشّرب.
وهذا من أحسن التّشبيهات ، حيث شبّه بياض النّهار بخيط أبيض ، وسواد الليل بخيط أسود ، حتى إنه لما ذكر عديّ بن حاتم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه فهم من الآية الكريمة حقيقة الخيط ، تعجّب منه ، وقال : «إنّ وسادك لعريض» ويروى : «إنّك لعريض القفا». وقد روي أنّ بعض الصحابة فعل كفعل عديّ ، ويروى أن بين قوله «الخيط الأبيض من الخيط الأسود» وبين قوله : «من الفجر» عاما كاملا في النزول.
روي عن سهل بن سعد ، قال : أنزلت (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) ولم ينزل قوله : «من الفجر» وكان رجال إذا أرادوا الصّوم ، ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض ، والخيط الأسود ، ولا يزال يأكل حتى يتبيّن له رؤيتهما ، فأنزل الله تعالى (مِنَ الْفَجْرِ) ، فعلموا أنّه إنما عني اللّيل والنّهار ، وسمّي الفجر