فقالا (١) : صدق. فدلّ ظاهر الآية ، والحديث عليه أيضا.
وعلى القول الثّالث : فهو أنّ الإحصار اسم لمنع العدوّ ، فنقول : هذا باطل باتفاق أهل اللغة ، وبتقدير ثبوته ، يقيس المرض على العدوّ بجامع دفع الحرج ، وهو قياس جليّ ظاهر.
وأمّا بتقدير مذهب ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، فلا شكّ أنّ قولهم أقوى ؛ لتقدمهم على هؤلاء الأدباء ، في معرفة اللغة ، ومعرفة تفسير القرآن. والحديث ضعيف ، ويمكن تأويله بأنّه إنّما يحل بالكسر ، والعرج ، إذا كان مشروطا في عقد الإحرام.
كما روي : أنّ ضباعة بنت الزبير كانت وجعة ؛ فقال لها النبيّ صلىاللهعليهوسلم وشرّف ، وكرّم ، وبجّل ، وعظّم : «حجّي واشترطي ، وقولي اللهمّ محلّي حيث حبستني» (٢). ويؤكد هذا القول وجوه :
أحدها : أنّ الإحصار : إفعال من الحصر ، والإفعال تارة يجيء بمعنى التعدية ؛ نحو : ذهب زيد ، وأذهبته أنا ، ويجيء بمعنى : صار ذا كذا ؛ نحو : أغدّ البعير ، أي : صار ذا غدّة ، وأجرب الرجل ، إذا صار ذا إبل جربى ، ويجيء بمعنى : وجدته بصفة كذا ؛ نحو : أحمدت الرجل ، أي وجدته محمودا.
والإحصار لا يمكن أن يكون للتعدية ؛ فوجب إمّا حمله على الصيرورة ، أو على الوجدان ، والمعنى أنّهم صاروا محصورين ووجدوا محصورين.
واتفق أهل اللّغة على أنّ المحصور هو الممنوع بالعدو ، لا بالمرض ، فوجب أن يكون معنى الإحصار : هو أنهم صاروا ممنوعين بالعدوّ ، وذلك يؤكّد ما قاله الشافعيّ.
وثانيها : أنّ الحصر عبارة عن المنع ، وإنما يقال للإنسان : أنّه ممنوع من فعله ، ومحبوس عن مراده ؛ إذا كان الغير هو فاعل ذلك المنع والحبس.
فالحصر : عبارة عن الكيفية الحاصلة عند اعتدال المزاج ، وسلامة الأعضاء ، وذلك مفقود في حقّ المريض ؛ لأنّه غير قادر على الفعل ألبتة ؛ فلا يحكم عليه بأنه ممنوع ، لأن إحالة الحكم على المانع تستدعي حصول المقتضي.
أمّا إذا كان ممنوعا بالعدو ، ـ فها هنا ـ القدرة حاصلة إلّا أنه تعذّر الفعل ؛ لأجل
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٦٨.
(٢) أخرجه البخاري (٧ / ١٢) كتاب النكاح باب الأكفاء في الدين رقم (٥٠٨٩) ومسلم كتاب الحج (١٠٥ ، ١٠٨) والنسائي (٥ / ١٦٨) وابن ماجه (٢٩٣٨) وأحمد (٦ / ١٦٤ ، ٢٠٢ ، ٤٢٠) والبيهقي (٧ / ١٣٧) والدارقطني (٢ / ٢١٩) وابن حبان (٩٧٣) وابن خزيمة (٢٦٠٢) والشافعي في «مسنده» (١٢٣ ، ٣٨٩) وابن الجارود في «المنتقى» (٤٢٠) والطبراني في «الكبير» (١١ / ٣٦٣).