وقال الشافعيّ ـ رحمهالله ـ : التسعة الأول ، مع ليلة النّحر من أشهر الحج (١).
حجّة الأوّل : أن الأشهر جمع ، وأقلّه ثلاثة (٢) ، وأيضا فإنّ أيّام النّحر يفعل فيها بعض ما يتّصل بالحج : من رمي الجمار ، والذّبح ، والحلق ، وطواف الزّيارة ، والبيتوتة يعني ليالي منى ، وإذا حاضت المرأة ، فقد تؤخّر الطّواف الذي لا بدّ منه إلى انقضاء أيّام بعد العشرة. ومذهب عروة (٣) تأخير طواف الزيارة إلى آخر الشهر.
والجواب أنّ لفظ الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد ؛ بدليل قوله (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم : ٤]. وقال ـ عليهالسلام : «الاثنان فما فوقهما جماعة» (٤). وأيضا فإنّه نزّل بعض الشّهر منزلة كلّه ، فإنّ العرب تسمّي الوقت تامّا بقليله ، وكثيره ، يقال زرتك سنة كذا ، وأتيتك يوم الخميس ، وإنما زاره ، وأتاه في بعضه ، وأيضا فإنّ الجمع ضمّ شيء إلى شيء ، فإذا جاز أن يسمّى الاثنان جماعة ، جاز أن يسمّى الاثنان ، وبعض الثّالث جماعة ، وأمّا رمي الجمار ، فإنما يفعله الإنسان ، وقد حلّ بالحلق والطّواف ، والنّحر ، فكأنه ليس من أعمال الحجّ ، والحائض إذا طافت بعده ، فكأنه في حكم القضاء ، لا في حكم الأداء.
حجّة الثاني : أنّ المفسرين قالوا : إنّ يوم الحجّ الأكبر ، هو يوم النّحر ؛ لأنّ معظم
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٣٧.
(٢) اختلف العلماء في أقلّ الجمع ، هل هو اثنان أو ثلاثة أو يصار فيه إلى التوقف؟ وليس محلّ الخلاف في المفهوم في لفظ الجمع لغة ـ وهو ضم شيء إلى شيء ـ فإن ذلك في الاثنين والثلاثة وما زاد من غير خلاف ، وإنما محلّ النزاع والخلاف هو في اللفظ الذي هو مسمّى بالجمع ، نحو : الرجال والمسلمين ، لا في لفظ الجمع الذي هو مركب من الجيم ، والميم ، والعين ، فذهب جماعة : إلى أن أقل الجمع ثلاثة ، وإلى هذا ذهب الجمهور من الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة ، وعليه أكثر الصحابة والمتكلمين وأهل اللغة وعزي هذا المذهب إلى عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود.
ينظر : البرهان ١ / ٣٤٨ ، المحصول ١ / ٢ / ٦٠٦ ، اللمع ص ١٥ ، التبصرة ١٢٧ ، الإبهاج ٢ / ١٢٩ ، المعتمد ١ / ٢٤٨ ، العدة ٢ / ٦٤٩ ، المنخول ١٤٨ ، شرح التنقيح ٢٣٣ ، الإحكام للآمدي ٤٠٢ ، روضة الناظر (١٢١) ، جمع الجوامع ١ / ٤١٩ ، شرح الكوكب المنير ٣ / ١٤٤ ، المنتهى لابن الحاجب (٧٧) ، أصول السرخسي ١ / ١٥١ ، كشف الأسرار ٢ / ٢٨ ، فواتح الرحموت ١ / ٢٦٩ ، المسودة ١٤٩ ، نشر البنود ١ / ٢٣٤ ، شرح اللمع ١ / ٣٣٠ ، الوصول لابن برهان ١ / ٣٠٠ ، مفتاح الوصول ٧٣ ، تقريب الوصول (٧٨).
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٣٧.
(٤) أخرجه ابن ماجه (١ / ٣١٢) رقم (٩٧٢) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١ / ١٨٢) والبيهقي (٣ / ٦٩) والدارقطني (١ / ٢٨٠) والخطيب في «تاريخ بغداد» (٨ / ٤١٥ و ١١ / ٤٥ ـ ٤٦) وابن عدي (٥ / ١٨٩٠) وابن سعد (٧ / ٣٤) وابن عبد البر في «التمهيد» (٦ / ٣١٧).
قال البوصيري في «الزوائد (١ / ٣٣١) : هذا إسناد ضعيف لضعف الربيع ووالده بدر بن عمر.
وقال البيهقي : رواه جماعة عن الربيع بن بدر وهو ضعيف.