وقيل الرّفث : الفحش ، والفسق (١) وقد تقدم في قوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦].
وقرأ (٢) عبد الله «الرّفوث» وهو مصدر بمعنى الرّفث.
وقوله : (فَلا رَفَثَ) وما في حيّزه في محلّ جزم ، إن كانت «من» شرطية ، ورفع ، إن كانت موصولة ، وعلى كلا التقديرين ، فلا بدّ من رابط يرجع إلى «من» ؛ لأنها إن كانت شرطية ، فقد تقدّم أنه لا بدّ من ضمير يعود على اسم الشرط ، وإن كانت موصولة ، فهي مبتدأ والجملة خبرها ، ولا رابط في اللّفظ ، فلا بدّ من تقديره وفيه احتمالان :
أحدهما : أن تقديره : ولا جدال منه ، ويكون «منه» صفّة ل «جدال» ، فيتعلّق بمحذوف ، فيصير نظير قولهم : «السّمن منوان بدرهم» تقديره : منوان منه.
والثاني : أن يقدّر بعد «الحج» تقديره : ولا جدال في الحجّ منه ، أو : له. ويكون هذا الجارّ في محلّ نصب على الحال من «الحج».
وللكوفيّين في هذا تأويل آخر : وهو أنّ الألف واللام نابت مناب الضمير ، والأصل : في حجّه ، كقوله : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) ثم قال : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤٠ ، ٤١] أي : مأواه.
وكرّر الحجّ ؛ وضعا للظاهر موضع المضمر تفخيما ؛ كقوله : [الخفيف]
٩٩٢ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
.......... (٣) |
وكأنّ نظم الكلام يقتضي : «فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث فيه» ، وحسّن ذلك في الآية الكريمة الفصل بخلاف البيت.
والجدال مصدر «جادل». والجدال : أشدّ الخصام ، مشتقّ من الجدالة ، وهي الأرض ؛ كأن كلّ واحد من المتجادلين يرمي صاحبه بالجدالة.
قال القائل : [الرجز]
٩٩٣ ـ قد أركب الآلة بعد الآله |
|
واترك العاجز بالجداله (٤) |
ومنه «الأجدل» للصّقر ؛ لشدّته.
وقال القائل : [الكامل]
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٢.
(٢) تقدمت هذه القراءة.
(٣) تقدم برقم ٥٢٠.
(٤) البيت للعجاج. ينظر : ملحق ديوانه ٢ / ٣١٥ ، واللسان (أول) ، (جدل) وأدب الكاتب ٤٥ ، والدر المصون ١ / ٤٩٢.