الرفث والفسوق دون الجدال ، بقوله عليهالسلام : «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق ...» (١) وأنه لم يذكر الجدال.
وهذا الذي ذكره الزمخشريّ سبقه إليه صاحب هذه القراءة ؛ إلّا أنه أفصح عن مراده ، قال أبو عمرو بن العلاء ـ أحد قارئيها ـ : الرفع بمعنى فلا يكون رفث ولا فسوق ؛ أي شيء يخرج من الحجّ ، ثم ابتدأ النفي فقال : «ولا جدال» ، فأبو عمرو لم يجعل النفيين الأوّلين نهيا ، بل تركهما على النّفي الحقيقي.
فمن ثم ، كان في قوله هذا نظر ؛ فإنّ جملة النفي بلا التبرئة ، قد يراد بها النهي أيضا ، وقيل ذلك في قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢]. والذي يظهر في الجواب عن ذلك ، ما نقله أبو عبد الله الفاسي عن بعضهم فقال : «وقيل : الحجّة لمن رفعهما أنّ النفي فيهما ليس بعامّ ؛ إذ قد يقع الرفث ، والفسوق في الحجّ من بعض الناس ، بخلاف نفي الجدال في أمر الحجّ ؛ فإنه عامّ ؛ لاستقرار قواعده». قال شهاب الدّين : وهذا يتمشّى على عرف النّحويين ، فإنهم يقولون : «لا» العاملة عمل «ليس» لنفي الوحدة ، والعاملة عمل «إنّ» لنفي الجنس ، قالوا : ولذلك يقال : لا رجل فيها ، بل رجلان ، أو رجال ؛ إذا رفعت ، ولا يحسن ذلك إذا بنيت اسمها أو نصبت بها.
وتوسّط بعضهم فقال : التي للتبرئة نصّ في العموم ، وتلك ليس نصّا.
والظاهر أنّ النكرة في سياق النفي مطلقا للعموم ، وقد تقدّم معنى الرّفث في قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر : هو الجماع (٢) ، وهو قول الحسن ، ومجاهد ، وعمرو بن دينار ، وقتادة ، وعكرمة ، والنخعي ، والربيع.
وروي عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : الرّفث : غشيان النساء ، والتّقبيل ، والغمز ، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام (٣).
وقال طاوس (٤) : هو التّعريض للنساء بالجماع ، وذكره بين أيديهنّ.
وقال عطاء : الرّفث : هو قول الرجل للمرأة في حال الإحرام : إذا حللت ، أصبتك (٥).
__________________
(١) أخرجه البخاري (٢٦٤٢) كتاب الحج باب : فضل الحج المبرور رقم (١٥٢١) و (٣ / ٣٢) كتاب المحصر باب قوله تعالى «فَلا رَفَثَ» رقم (١٨١٩) ومسلم كتاب الحج (٤٣٨) وأحمد (٢ / ٢٢٩) والنسائي (٥ / ١١٤) وابن ماجه (٢٨٨٩) والبيهقي (٥ / ٦٧) والطبري في «تفسيره» (١٦١٢) والترمذي (٨١١) وابن خزيمة (٢٥١٤) وأبو نعيم في «الحلية» (٨ / ١٢٦) والحميدي (١٠٠٤) والخطيب «في تاريخ بغداد» (١١ / ٢٢٢).
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٢.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٢.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٢.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٢.