وأمّا من نصب الثلاثة منونة فتخريجها على أن تكون منصوبة على المصدر بأفعال مقدرة من لفظها ، تقديره : فلا يرفث رفثا ، ولا يفسق فسوقا ولا يجادل جدالا ، وحينئذ فلا عمل ل «لا» فيما بعدها ، وإنّما هي نافية للجمل المقدرة ، و «في الحجّ» متعّلق بأيّ المصادر الثّلاثة شئت ، على أنّ المسألة من التنازع ، ويكون هذا دليلا على تنازع أكثر من عاملين ، وقد يمكن أن يقال : إنّ «لا» هذه هي التي للتّبرئة على مذهب من يرى أنّ اسمها معرب منصوب ، وإنما حذف تنوينه ؛ تخفيفا ، فرجع الأصل في هذه القراءة الشاذة كما رجع في قوله : [الوافر]
٩٩١ ـ ألا رجلا جزاه الله خيرا |
|
.......... (١) |
وقد تقدّم تحريره.
وأمّا قراءة الفتح في الثّلاثة فهي «لا» التي للتّبرئة. وهل فتحة الاسم فتحة إعراب أم بناء؟ فيه قولان ، الجمهور على أنّها فتحة بناء ، وإذا بني معها ، فهل المجموع منها ، ومن اسمها في موضع رفع بالابتداء ، وإن كانت عاملة في الاسم النصب على الموضع وما بعدها ، ولا خبر لها؟ أو ليس المجموع في موضع مبتدأ ، بل «لا» عاملة في الاسم النّصب على الموضع ، وما بعدها خبر ل «لا» ؛ لأنّها أجريت مجرى «أنّ» في نصب الاسم ، ورفع الخبر؟ قولان :
الأول : قول سيبويه (٢).
والثاني : قول الأخفش. وعلى هذين المذهبين ، يترتّب الخلاف في قوله : «في الحجّ» ، فعلى مذهب سيبويه : يكون في موضع خبر المبتدأ ، وعلى رأي الأخفش : يكون في موضع خبر «لا» ، وقد تقدّم شيء من هذا أول الكتاب.
وأمّا من رفع الأولين ، وفتح الثالث : فالرفع على ما تقدّم ، وكذلك الفتح ، إلا أنه ينبغي أن ينبّه على شيء : وهو أنّا قلنا بمذهب سيبويه من كون «لا» وما بني معها في موضع المبتدأ ، يكون «في الحج» خبرا عن الجميع ؛ إذ ليس فيه إلّا عطف مبتدأ عى مبتدأ ، وأمّا على مذهب الأخفش ، فلا يجوز أن يكون «في الحجّ» إلا خبرا للمبتدأين ، أو خبرا ل «لا». ولا يجوز أن يكون خبرا للكلّ ؛ لاختلاف الطالب ؛ لأنّ المبتدأ يطلبه خبرا له ، ولا يطلبه خبرا لها.
وإنّما قرىء كذلك ، قال الزمخشري (٣) : «لأنّهما حملا الأوّلين على معنى النّهي ، كأنه قيل : فلا يكوننّ رفث ولا فسوق ، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال ، كأنه قيل : ولا شكّ ولا خلاف في الحجّ» واستدلّ على أنّ المنهيّ عنه هو
__________________
(١) تقدم برقم ١٠٧.
(٢) ينظر : الكتاب ١ / ٣٤٥.
(٣) ينظر : الكشاف ١ / ٢٤٣.