وأنشد غيره : [الطويل]
٩٨٨ ـ تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا |
|
ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (١) |
وقول الآخر : [البسيط]
٩٨٩ ـ أنكرتها بعد أعوام مضين لها |
|
لا الدّار دارا ولا الجيران جيرانا (٢) |
وأنشد ابن الشّجري : [الطويل]
٩٩٠ ـ وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا |
|
سواها ولا في حبّها متراخيا (٣) |
وللكلام على الأبيات موضع غير هذا.
__________________
ـ تعز فلا شيء على الأرض باقيا |
|
ولا وزر مما قضى الله واقيا |
الثاني : أنها لا تعمل أصلا ، ويرتفع ما بعدها بالابتداء والخبر ، ولا ينصب أصلا ، وعليه أبو الحسن ، وإنّما لم يقدروها مهملة ، والرفع بالابتداء ؛ لأنها حينئذ واجبة التكرار ، وفيه نظر ؛ لجواز تركه في الشعر.
الثالث : أنها أجريت مجرى «ليس» في رفع الاسم خاصة فترفعه ، ولا تعمل شيئا في الخبر ، وعليه الزجّاج ، واستدلّ بأنه لم يسمع النصب في خبرها ملفوظا به ، مع أنه قد ورد.
وحكمها حكم ـ ما ـ في الشبه والإعمال ، ولها شرائط ثلاثة :
أحدها : أن تدخل على نكرة.
ثانيها : أن يكون الاسم مقدما على الخبر.
ثالثها : ألا يفصل بينها وبين الاسم بغيره ، فتقول : لا رجل منطلقا ؛ كما تقول : ليس زيد منطلقا ، ويجوز أن تزاد الباء في خبرها ؛ لتأكيد النفي ، كما تدخل الباء في خبر «ليس» ـ و «ما» ـ تقول : لا رجل بقائم ؛ كما تقول : ليس زيد بقائم ، ويجوز حذف الخبر منه ، كما في الشاهد : لا براح ، جعل «لا» بمنزلة «ليس» ورفع بها ـ براح ـ والخبر محذوف ، وتقديره : لا براح لي ، ويجوز أن يكون رفع «براح» بالابتداء ، وحذف الخبر وهو رأي أبي العباس المبرّد ، والأوّل أجود ؛ لأنه كان يلزم تكرير «لا» ، كقوله (لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) هذا رأي سيبويه في اجرائها مجرى ليس في بعض اللغات.
وحال «لا» أنها في موضع ابتداء ، وأنها لا تعمل في معرفة أبدا ، ولم يعتبر ابن جني هذا الشرط ، فأجاز إعمالها في المعارف ؛ كقوله :
وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا |
|
سواها ولا عن حبّها متراخيا |
وقيل : يجوز أن يكون «براح» مبتدأ ، وردّ بأن «لا» الداخلة على الجملة الاسمية يجب إعمالها وتكرارها ، فلما لم تتكرر عرف أنها عاملة ، وردّ بأن هذا شعر ؛ فيجوز فيه أن ترد غير عاملة ، ولا مكررة ، وردّ بأن الأصل كون الكلام على غير الضّرروة.
قال ابن مالك : عملها أكثر من عمل «إن» وقال أبو حيان : الصواب عكسه ؛ لأن «إن» قد عملت نثرا ونظما ، و «لا» إعمالها قليل جدا ، بل لم يرد منه صريحا إلا البيت السابق ، والبيت والبيتان لا تبنى عليهما القواعد.
(١) تقدم برقم ٤١٩.
(٢) ينظر : جواهر الأدب ص ٢٤٧ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٥٦ ، والدر المصون ١ / ٤٩٠.
(٣) تقدم برقم ٤٢٠.