موقف إبراهيم ، ويقول عليه الصلاة والسلام نحن أصوب ؛ فقال الله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) [الحج : ٦٧ ـ ٦٨] قال مالك : هذا هو الجدال فيما يروى والله أعلم.
السّادس : قال ابن زيد : كانوا يقفون مواقف مختلفة ، فبعضهم يقف بعرفة ، وبعضهم بالمزدلفة ، وبعضهم حجّ في ذي القعدة ، وبعضهم في ذي الحجّة ، وكلّ يقول : ما فعلته هو الصّواب (١) ؛ فقال تعالى : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) ، أي : استقرّ أمر الحج على ما فعله الرسول ـ عليهالسلام ـ فلا اختلاف فيه من بعد ذلك ، وذلك معنى قول النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «ألا إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السّموات والأرض» (٢).
قال مجاهد : معناه : لا شكّ في الحجّ أنّه في ذي الحجة ، فأبطل الله النّسيء (٣).
قال أهل المعاني (٤) : ظاهر الآية الكريمة نفي ومعناه نهي ، أي لا ترفثوا ، ولا تفسقوا ولا تجادلوا ؛ كقوله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٣] أي : لا ترتابوا.
قال القاضي (٥) : قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) يحتمل أن يكون خبرا ، وأن يكون نهيا ، كقوله (لا رَيْبَ فِيهِ) ، أي : لا ترتابوا فيه ، وظاهر اللفظ للخبر ، فإذا حملناه على الخبر كان معناه : أنّ الحجة لا تثبت مع واحدة من هذه الخلال ، بل تفسد ؛ لأنه كالضدّ لها وهي مانعة من صحّته ، وعلى هذا الوجه لا يستقيم المعنى ؛ إلّا أن يراد بالرفث ، الجماع [المفسد للحج ، ويحمل الفسوق على الزّنا ؛ لأنه يفسد الحجّ ، ويحمل الجدال على الشّكّ في وجوب الحجّ](٦) ؛ لأن ذلك يكون كفرا ، فلا يصحّ معه الحج ، وإنّما حملنا هذه الألفاظ على هذه المعاني ؛ حتّى يصحّ خبر الله تعالى بأنّ هذه الأشياء لا توجد مع الحج.
فصل
قال ابن العربيّ (٧) : المراد بقوله : «فلا رفث» نفيه مشروعا لا موجودا ، فإنّا نجد
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ١٤٦) عن ابن زيد.
(٢) أخرجه أحمد (٥ / ٣٧) والطبري في «تفسيره» (١٠ / ٨٨) وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (٢ / ١ / ١٣٣) وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٨٦) وفي «البداية والنهاية» (٥ / ١٩٥).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ١٤٧) عن مجاهد.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٣.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٤٢.
(٦) سقط في ب.
(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٧٠.