الخامس : أن يكون «أشدّ» نصبا على الحال من «ذكرا» ؛ لأنه لو تأخّر عنه ، لكان صفة له ؛ كقوله : [مجزوء الوافر]
١٠٠٥ ـ لميّة موحشا طلل |
|
يلوح كأنّه خلل (١) |
«موحشا» حال من «طلل» ؛ لأنّه في الأصل صفة ، فلما قدّم ، تعذّر بقاؤه صفة ، فجعل حالا ، قاله أبو حيّان ـ رحمهالله تعالى ـ ، فإنه قال بعد ذكره ثلاثة أوجه لنصبه ، ووجهين لجرّه : «فهذه خمسة أوجه كلّها ضعيفة ، والذي يتبادر إلى الذّهن في الآية أنهم أمروا بأن يذكروا الله ذكرا يماثل ذكر آبائهم ، أو أشدّ ، وقد ساغ لنا حمل هذه الآية الكريمة عليه بوجه ذهلوا عنه» ، فذكر ما تقدّم ، ثم جوّز في «ذكرا» ـ والحالة هذه ـ وجهين :
أحدهما : أن يكون معطوفا على محلّ الكاف في «كذكركم» ، ثم اعترض على نفسه في هذا الوجه ؛ بأنه يلزم منه الفصل بين حرف العطف ، وهو «أو» وبين المعطوف وهو «ذكرا» بالحال ، وهو «أشدّ» ، وقد نصّ النحويون على أن الفصل بينهما لا يجوز إلا بشرطين :
أحدهما : أن يكون حرف العطف أكثر من حرف واحد.
والثاني : أن يكون الفاصل قسما ، أو ظرفا أو جارّا ، وأحد الشرطين موجود ، وهو الزيادة على حرف ، والآخر مفقود ، وهو كون الفاصل ليس أحد الثلاثة المتقدّمة ، ثم أجاب بأن الحال مقدّرة بحرف الحر وشبّهه بالظرف ، فأجريت مجراهما.
والثاني من الوجهين في «ذكرا» أن يكون مصدرا لقوله : «فاذكروا» ، ويكون قوله : «كذكركم» في محلّ نصب على الحال من «ذكرا» ؛ لأنها في الأصل صفة له ، فلما قدّمت ، كانت في محلّ حال ، ويكون «أشدّ» عطفا على هذه الحال ، وتقدير الكلام : «فاذكروا الله ذكرا كذكركم ، أي : مشبها ذكركم أو أشدّ» ؛ فيصير نظير : «اضرب مثل ضرب فلان أو أشدّ» الأصل : اضرب ضربا مثل ضرب فلان أو أشدّ.
و «ذكرا» تمييز عند غير الشّيخ كما تقدّم ، واستشكلوا كونه تمييزا منصوبا ؛ وذلك أن أفعل التفضيل يجب أن تضاف إلى ما بعدها ، إذا كان من جنس ما قبلها ؛ نحو : «وجه زيد أحسن وجه» ، «وعلمه أكثر علم» ، وإن لم يكن من جنس ما قبلها ، وجب نصبه ؛ نحو : «زيد أحسن وجها ، وخالد أكثر علما» ، إذا تقرّر ذلك ، فقوله : «ذكرا» هو من جنس ما قبلها ، فعلى ما قرّر ، كان يقتضي جرّه ، فإنه نظير : «اضرب بكرا كضرب عمرو زيدا أو أشدّ ضرب» بالجرّ فقط. والجواب عن هذا الإشكال مأخوذ من الأوجه المتقدّمة في النصب والجر المذكورين في «أشدّ» ؛ من حيث أن يجعل الذّكر ذاكرا مجازا ؛ كقولهم :
__________________
(١) تقدم برقم ٦٥٣.