وخامسها : أنّه ذكر هذا الكلام ؛ مبالغة في أن الحجّ يكفّر الذّنوب والآثام ؛ كما إذا تناول الإنسان التّرياق فيقول له الطّبيب : إن تناولت السّمّ فلا ضرر وإن لم تتناوله فلا ضرر ، ومقصوده بيان أن التّرياق دواء كامل في دفع المضار ، لا بيان أن تناول السّمّ وعدم تناوله يجريان مجرّى واحدا ؛ فكذا ههنا المقصود من هذا الكلام بيان المبالغة في كون الحجّ مكفّرا لكلّ الذّنوب ؛ لأن التّعجيل وتركه سيّان ؛ ومما يدلّ على أن الحجّ سبب قويّ في تكفير الذّنوب قوله ـ عليهالسلام ـ «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» (١) ، وهنا قول عليّ وابن مسعود.
فصل
وقرأ الجمهور «فلا إثم» بقطع الهمزة على الأصل ، وقرأ (٢) سالم بن عبد الله : «فل اثم» بوصلها وحذف ألف لا ، ووجهه أنه خفّف الهمزة بين بين فقربت من الساكن ، فحذفها ؛ تشبيها بالألف ، فالتقى ساكنان : ألف «لا» وثاء «إثم» ، فحذفت ألف «لا» ؛ لالتقاء الساكنين ، وقال أبو البقاء (٣) ـ رحمهالله تعالى ـ : «ووجهها أنّه لمّا خلط الاسم ب «لا» حذف الهمزة ؛ تشبيها بالألف» يعني أنه لمّا ركّبت «لا» مع اسمها ، صارا كالشيء الواحد ، والهمزة شبيهة الألف ، فكأنه اجتمع ألفان ، فحذفت الثانية لذلك ، ثم حذفت الألف لسكونها وسكون الثّاء.
فصل
قال القرطبي : روى الثّقات ؛ أن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أمر أمّ سلمة أن تصبح بمكّة يوم النّحر ، وكان يؤمّها (٤) ، وهذا يدلّ على أنّها رمت الجمرة بمنى قبل الفجر ؛ لأن هذا لا يكون إلّا وقد رمت الجمرة بمنى ليلا قبل الفجر.
وروى أبو داود عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ؛ أنّها قالت : «أرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأمّ سلمة ليلة يوم النّحر ، فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت (٥) ، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم عندها». فإذا ثبت ذلك فالرّمي باللّيل جائز لمن فعله ، والاختيار من طلوع الشّمس إلى زوالها ، وأجمعوا على أن من رماها قبل غروب الشّمس من يوم النّحر ، فقد أجزأ ولا شيء عليه ، إلا مالكا ؛ فإنه قال : يستحب له أن يهرق دما.
__________________
(١) تقدم.
(٢) انظر : البحر المحيط ٢ / ١٢٠ ، والدر المصون ١ / ٥٠٢.
(٣) ينظر : الإملاء ٢ / ٨٨.
(٤) انظر : تفسير القرطبي «الجامع الأحكام القرآن» (٣ / ٦).
(٥) أخرجه أبو داود (١ / ٥٩٨) كتاب المناسك : باب التعجيل من جمع (١٩٤٢).