والجمهور على ضمّ حرف المضارعة وكسر الهاء ، مأخوذا من «أشهد» ونصب الجلالة مفعولا به ، وقرأ أبو حيوة وابن محيصن بفتحهما ورفع الجلالة فاعلا.
قال القرطبيّ ـ رحمهالله تعالى ـ : ويؤيّده قراءة (١) ابن عباس «والله يشهد على ما في قلبه».
وقرأ أبي (٢) : «يستشهد الله».
فأمّا قراءة الجمهور وتفسيرهم ، فإن المعنى : يحلف بالله ويشهده أنّه صادق ، وقد جاءت الشهادة بمعنى القسم في آية اللّعان ، وقيل : فيكون اسم الله منتصبا على حذف حرف الجر ، أي : يقسم بالله ، قال شهاب الدين : وهذا سهو من قائله ؛ لأنّ المستعمل بمعنى القسم «شهد» الثلاثيّ ، لا «أشهد» الرباعيّ ، لا تقول : أشهد بالله ، بل : أشهد بالله ، فمعنى قراءة الجمهور : يطّلع الله على ما في قلبه ، ولا يعلم به أحد ، لشدة تكتّمه.
وأمّا تفسير الجمهور : فيحتاج إلى حذف ما يصحّ به المعنى ، تقديره : ويحلف بالله على خلاف ما في قلبه ؛ لأن الذي في قلبه هو الكفر ، وهو لا يحلف عليه ، إنما يحلف على ضدّه ، وهو الذي يعجب سامعه ، ويقوّي هذا التأويل قراءة (٣) أبي حيوة ؛ إذ معناها : ويطّلع الله على ما قلبه من الكفر. وأمّا قراءة أبيّ : فيحتمل «استفعل» وجهين :
أحدهما : أن يكون بمعنى «أفعل» ؛ فيوافق قراءة الجمهور.
والثاني : أنه بمعنى المجرّد وهو «شهد» ، وتكون الجلالة منصوبة على إسقاط الخافض.
قوله : «وهو ألدّ الخصام» الكلام في هذه الجملة كالتي قبلها ، وهنا وجه آخر ، وهو أن تكون حالا من الضمير في «يشهد» ، والألد : الشديد ؛ من اللّدد ، وهو شدة الخصومة ؛ قال: [الخفيف]
١٠٠٩ ـ إنّ تحت التّراب عزما وحزما |
|
وخصيما ألدّ ذا مغلاق (٤) |
ويقال : لددت بكسر العين ألدّ بفتحها ، ولددته بفتح العين ألدّه بضمها أي : غلبته في ذلك ، فيكون متعديا ، قال الشاعر : [الرجز]
١٠١٠ ـ تلدّ أقران الرّجال اللّدّ (٥)
__________________
(١) انظر : الشواذ ١٢ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٧٩ ، والبحر المحيط ٢ / ١٢٢ ، والدر المصون ١ / ٥٠٤.
(٢) انظر : القرطبي ٣ / ١٢.
(٣) وبها قرأ ابن مسعود.
انظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٧٩ ، والبحر المحيط ٢ / ١٢٢ ، والدر المصون ١ / ٥٠٤.
(٤) البيت لمهلهل ينظر : القرطبي (٣ / ١٦) ، الدر المصون (١ / ٥٠٤).
(٥) ينظر : الطبري ٤ / ٢٣٥ ، الدر المصون (١ / ٥٠٥).