وكان رجلا حلو المنظر ، حلو الكلام ، وكان يأتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيجالسه ويظهر الإسلام ، ويقول : إنيّ أحبّك ، ويحلف بالله على ذلك ، وكان منافقا ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدنيه في مجلسه ، وكان حسن العلانية خبيث الباطن ، فخرج من عند النبي صلىاللهعليهوسلم فمرّ بزرع لقوم من المسلمين فأحرق الزّرع ، وقيل : المواشي ، وقيل : بيّت قوما من ثقيف فلبسهم ، وأهلك مواشيهم ، وأحرق زرعهم.
وقال مقاتل (١) : خرج إلى الطّائف مقتضيا مالا له على غريم فأحرق له كدسا (٢) ، وعقر له أتانا (٣) ، والنّسل : نسل كلّ حيوان من ناطق ، وغيره ؛ فنزلت الآية الكريمة.
الثّاني : أنّ الأخنس أشار على بني زهرة بالرّجوع يوم بدر وقال لهم : إنّ محمّد ابن أخيكم ، فإن يك كاذبا كفاكموه سائر النّاس ، وإن يك صادقا كنتم أسعد النّاس به ، قالوا نعم الرّأي ما رأيت قال : فإذا نودي في النّاس بالرحيل فإنّي أخنس بكم ، فاتّبعوني ، ثمّ انخنس بثلاثمائة من بني زهرة عن قتال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وسمّي بهذا السّبب الأخنس ، فبلغ ذلك رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأعجبه.
قال ابن الخطيب (٤) : وعندي أنّ هذا القول ضعيف ، لأنّه لا يستوجب الذّمّ بهذا العمل ، والآية مذكورة في معرض الذّمّ ، فلا يمكن حملها عليه.
الثالث : روي عن ابن عبّاس والضحّاك أنّ كفّار قريش بعثوا إلى النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنّا قد أسلمنا ، فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك ، فبعث إليهم جماعة ، فنزلوا ببطن الرجيع ، ووصل الخبر إلى الكفّار ، فركب منهم سبعون راكبا ، وأحاطوا بهم ، وقتلوهم ، وصلبوهم ، فنزلت هذه الآية الكريمة ، ولذلك عقّبه بقول (مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(٥) فنبّه بذلك على حال هؤلاء الشّهداء.
القول الثّاني : وهو اختيار أكثر المحقّقين من المفسّرين ، أنّها عامّة في كلّ من اتّصف بهذه الصّفة المذكورة ، نقل عن محمّد بن كعب القرظي (٦) أنّه جرى بينه وبين غيره كلام في الآية فقال : إنّها وإن نزلت فيمن ذكرتهم ، فلا يمتنع أن تنزل الآية الكريمة في
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٠٨.
(٢) الكداس : الحب المحصود المجموع. ينظر : المعجم الوسيط ٢ / ٧٧٩.
(٣) الأتان : الحمارة. ينظر : المعجم الوسيط ١ / ٤.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٦٨.
(٥) أخرجه الطبري «في تفسيره» (٤ / ٢٣٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٢٧) وزاد نسبته لابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٦) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٦٨.