وبجل وعظم : ائتنا بآية كما أتى الأنبياء قبلك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن الخطيب : «والأقرب أن هذه الآية ما نزلت في واقعة مبتدأة ، بل هي من بقية أحكام تحويل القبلة».
قوله : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ).
«ما» تحتمل الوجهين أعني : كونها حجازية ، أو تميمية : فعلى الأول يكون «أنت» مرفوعا بها ، و «بتابع» في محلّ نصب.
وعلى الثاني يكون مرفوعا بالابتداء ، و «بتابع» في محلّ رفع ، وهذه الجملة معطوفة على جملة الشرط ، وجوابه لا على الجواب وحده ، إذ لا يحل محله ؛ لأن نفي تبعيتهم لقبلته مقيد بشرط لا يصح أن يكون قيدا في نفي تبعيته قبلتهم ، وهذه الجملة أبلغ في النفي من قوله : (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) من وجوه :
أحدها : كونها اسمية متكرر فيها الاسم ، مؤكد نفيها بالباء.
ووحّد القبلة وإن كانت مثناة : لأن لليهود قبلة ، وللنصارى قبلة أخرى لأحد وجهين :
إما لاشتراكهما في البطلان صارا قبلة واحدة ، وإما لأجل المقابلة في اللفظ ؛ لأن قبله : (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ).
وقرىء : «بتابع قبلتهم» بالإضافة تخفيفا ؛ لأن اسم الفاعل المستكمل لشروط العمل يجوز فيه الوجهان.
واختلف في هذه الجملة : هل المراد بها النهي أي : لا تتبع قبلتهم ، ومعناه : الدوام على ما أنت عليه ؛ لأنه معصوم من اتباع قبلتهم ، أو الإخبار المحض بنفي الاتّباع ، والمعنى أن هذه القبلة لا تصير منسوخة ، أو قطع رجاء أهل الكتاب أن يعود إلى قبلتهم؟
قولان مشهوران.
قوله : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ).
قال القفال : هذا يمكن حمله على الحال وعلى الاستقبال.
أما على الحال فمن وجوه :
الأول : أنهم ليسوا مجتمعين على قبلة واحدة حتى يمكن إرضاؤهم باتباعها.
الثاني : أن اليهود والنصارى مع اتفاقهم على تكذيبك متباينون في القبلة ، فكيف يدعونك إلى ترك قبلتك ، مع أنهم فيما بينهما مختلفون.
الثالث : أن هذا إبطال لقولهم : إنه لا يجوز مخالفة أهل الكتاب ؛ لأنه إذا جاز أن تختلف قبلتاهما للمصلحة جاز أن تكون المصلحة في ثالث.