ـ سدّ مسدّ الخبر ، وقوي «حسب» لاعتماده على الفاء الرابطة للجملة بما قبلها ، وهذا كلّه معنى كلام أبي البقاء (١).
وقيل : بل «حسب» اسم فعل ، والقائل بذلك اختلف ؛ فقيل : اسم [فعل] ماض ، أي : كفاهم وقيل : فعل أمر ، أي : ليكفيهم ، إلّا أن إعرابه ودخول حروف الجرّ عليه يمنع كونه اسم فعل.
وقد تلخّص أنّ «حسب» هل هو بمعنى اسم الفاعل وأصله مصدر ، أو اسم فعل ماض ، أو فعل أمر؟ وهو من الأسماء اللازمة للإضافة ، ولا يتعرّف بإضافته إلى معرفة ؛ تقول : مررت برجل حسبك ، وينصب عنه التمييز ، ويكون مبتدأ ؛ فيجرّ بباء زائدة ، وخبرا ؛ فلا يجرّ بها ، ولا يثنّى ولا يجمع ، ولا يؤنّث ، وإن وقع صفة لهذه الأشياء.
و «جهنّم» اختلف الناس فيها فقال يونس وأكثر النّحاة : هي اسم للنّار التي يعذّب بها في الآخرة وهي أعجمية وعرّبت ، وأصلها كهنّام ، فمنعها من الصرّف للعلمية والعجمة.
وقيل : بل هي عربية الأصل ، والقائلون بذلك اختلفوا في نونها : هل هي زائدة ، أم أصلية؟ فالصحيح أنها زائدة ، ووزنها «فعنّل» مشتقة من «ركيّة جهنّام» ، أي : بعيدة القعر ، وهي من الجهم ، وهو الكراهة ، وقيل : بل نونها أصليّة ، ووزنها فعلّل ؛ ك «عدبّس» ؛ قال : لأن «فعنّلا» مفقود في كلامهم ، وجعل «زونّكا» فعلّلا أيضا ؛ لأنّ الواو أصل في بنات الأربعة ؛ ك «ورنتل» ، لكنّ الصحيح إثبات هذا البناء ، وجاءت منه ألفاظ ، قالوا : «ضغنّط» من الضّغاطة ، وهي الضّخامة ، و «سفنّج» و «هجنّف» للظّليم ، والزّونّك : القصير سمّي بذلك ؛ لأنه يزوك في مشيته ، أي : يتبختر ؛ قال حسّان : [الكامل]
١٠١٧ ـ أجمعت أنّك أنت ألأم من مشى |
|
في فحش زانية وزوك غراب (٢) |
وهذا كلّه يدلّ على أنّ النون زائدة في «زونّك» وعلى هذا فامتناعها للتأنيث والعلمية.
قوله : «ولبئس المهاد» المخصوص بالذّمّ محذوف ، أي : ولبئس المهاد جهنّم ، وحسّن حذفه هنا كون «المهاد» وقع فاصلة. وتقدّم الكلام على «بئس» وحذف هذا المخصوص بذلك على أنه مبتدأ ، والجملة من نعم وبئس خبره ، سواء تقدّم أو تأخّر ؛ لأنّا لو جعلناه خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، ثم حذفناه ، كنّا قد حذفنا الجملة بأسرها من غير أن ينوب عنها شيء ، وأيضا فإنّه يلزم من ذلك أن تكون الجملة
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٨٩.
(٢) ينظر : ديوانه ١٧٦ ، واللسان «ذوك» و «زنك» والبحر المحيط ٢ / ١١٧ ، والدر المصون ١ / ٥٠٨.