وأمّا خبّاب بن الأرتّ وأبو ذرّ ففرّا إلى المدينة ، وأمّا سميّة فربطت بين بعيرين ثم قتلت ، وقتل ياسر.
وأمّا الباقون : فأعطوا بسبب العذاب بعض ما أراد المشركون ، فتركوا ، وفيهم نزل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) بتعذيب أهل مكة (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) [النحل : ٤١] بالنّصر والغنيمة ، «ولأجر الآخرة أكبر» ، وفيهم أنزل (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) [النحل : ١٠٦].
وقال سعيد بن المسيّب ، وعطاء (١) : أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فاتّبعه نفر من مشركي قريش ، فنزل عن راحلته ، ونثل ما في كنانته ، ثمّ قال : يا معشر قريش ، لقد علمتم أنّي لمن أرماكم رجلا ، والله لا أضع سهما من كنانتي إلّا في قلب رجل منكم وأيم الله ، لا تصلون إليّ حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي ، ثم افعلوا ما شئتم ، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخلّيتم سبيلي.
قالوا : نعم ، ففعل ذلك ، فنزلت الآية (٢) وقال الحسن : أتدرون فيمن نزلت هذه الآية؟ نزلت في المسلم يلقى الكافر فيقول له : قل لا إله إلّا الله ، فيأبى أن يقولها ، فيقول المسلم : والله لأشترينّ من نفسي لله ، فيتقدّم فيقاتل حتّى يقتل (٣).
وروي عن عمر ، وعليّ ، وابن عبّاس : أنّها نزلت في الأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر(٤).
قال ابن عبّاس : أرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله يقوم فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل ، وأخذته العزّة بالإثم ، قال هذا : وأنا أشري نفسي فيقاتله ، وكان إذا قرأ هذه الآية يقول : اقتتلا وربّ الكعبة (٥) ، وسمع عمر بن الخطّاب إنسانا يقرأ هذه الآية ؛ فقال عمر : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل (٦).
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٢.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٣٠) وعزاه لابن سعد والحارث بن أبي أسامة في «مسنده» وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٢.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١ / ٢٥٠) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٤٢) وزاد نسبته لوكيع وعبد بن حميد.
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٤٢) وعزاه لعبد بن حميد أن عمر الخطاب ـ فذكره.
(٦) تقدم.