قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي : لا تطيعوه فيما يدعوكم إليه ، وتقدّم الكلام على خطواته.
وقوله : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
قال أبو مسلم (١) : مبين من صفات البليغ الذي يعرب عن ضميره.
قال ابن الخطيب (٢) : ويدلّ على صحة هذا المعنى قوله (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) [الدخان : ١ ـ ٢] ولا يعني بقوله «مبين» إلّا ذلك. فإن قيل : كيف يمكن وصف الشيطان بأنّه مبين مع أنّا لا نرى ذاته ، ولا نسمع كلامه؟
فالجواب أنه تعالى لمّا بيّن عداوته لآدم ونسله ، فلذلك الأمر صحّ أن يوصف بأنّه عدوّ مبين ، وإن لم يشاهد ؛ مثاله : من يظهر عدواته لرجل في بلد بعيد فقد يصح أن يقال : إنّ فلانا عدوّ مبين لك وإن لم يشاهده في الحال.
قال ابن الخطيب (٣) : وعندي فيه وجه آخر ، وهو : أن الأصل في الإبانة القطع ، والبيان إنّما سمّي بيانا لهذا المعنى فإنّه يقطع بعض الاحتمالات عن بعض ، فوصف الشيطان بأنه مبين بيانه : أنه يقطع الملكف بوسوسته عن طاعة الله وثوابه.
فإن قيل : كون الشيطان عدوّا لنا ، إمّا أن يكون بسبب أنه يقصد إيصال الآلام والمكاره إلينا في الحال ، أو بسبب أنّه بوسوسته يمنعنا عن الدين والثواب ، والأوّل باطل إذ لو كان كذلك لوقعنا في الأمراض والآلام وليس كذلك.
والثّاني ـ أيضا ـ باطل ؛ لأنّ من قبل منه تلك الوسوسة فإنه أتي من قبل نفسه ؛ لقوله : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ) [إبراهيم : ٢٢] وإذا كان الحال على ما ذكرناه ، فكيف يقال إنه عدوّ لنا؟
فالجواب : أنّه عدوّ من الوجهين معا أمّا من حيث أنّه يحاول إيصال البلاء إلينا ، فهو كذلك إلّا أنّ الله تعالى منعه عن ذلك ، ولا يلزم من كونه مريدا لإيصال الضرر إلينا أن يكون قادرا عليه ، وأمّا من حيث إنه يقدم على الوسوسة ، فمعلوم أنّ تزيين المعاصي وإلقاء الشبهات ، كلّ ذلك لوقوع الإنسان في الباطل وبه يصير محروما عن الثّواب.
قوله تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ) الجمهور على «زللتم» : بفتح العين ، وأبو السّمّال (٤) قرأها
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٧٨.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٧٨.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٧٨.
(٤) انظر : الشواذ ١٣ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٨٣ ، والبحر المحيط ٢ / ١٣٢ ، والدر المصون ١ / ٥١١.